كتاب النقد الأدبي ومقاييسه خلال عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الخلافة الراشدة

فيزداد ارتياح الرسول الكريم إلى ما يسمع من وحي الروح الدينية، ومن التوجيه الخلقي الرشيد، ويقول له: "لا يَفضُض الله فاك" 1.
ويطرب الرسول لشعر كعب بن زهير حين يمدحه بقصيدته التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يفد مكبول
وحين يبلغ كعب قوله:
إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الهند مسلول
يصلح له الرسول قوله هذا ويجعله:
................................ ... مهند من سيوف الله مسلول
ونلمح من خلال هذا النقد النبوي ما انطوى عليه من تعديل وجّه كعبا إليه، حيث الرأي الصائب والقول السديد، وهو أن سيوف الله هي التي لا تفل، ولا تنبو ظباتها، ولا تحيد عن مواطن الحق، أما غيرها من السيوف فهي تفل وتنبو وتتلثم، وهذا معنى إسلامي جميل.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على كعب بن مالك، وهو ينشد، فلما رآه كعب بدا كأنه انقبض، فقال الرسول: "ما كنتم فيه؟ " قال: كنت أنشد، فقال له: "أنشد"، فأنشد حتى أتى على قوله:
مَجالِدنا عن جِذْمِنا2 كل فخمة
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيصح أن تقول:
مَجالِدنا عن ديننا كل فخمة؟
قال: نعم، فقال له: "فهو أحسن".
وواضح من هذا التوجيه الذي أسداه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كعب أن الجلاد والقتال إنما ينبغي أن يكون عن الدين، لا عن الأصل والنسب.
__________
1 الشعر والشعراء 1/295 تحقيق الأستاذ أحمد شاكر.
2 الجذم: الأصل.

الصفحة 277