كتاب النقد الأدبي ومقاييسه خلال عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الخلافة الراشدة

2- المقياس البياني:
ونعني به قياس النتاج الأدبي، وتقويمه على أساس ما ينبغي أن يكون عليه النظم أو الكلام من جمال الأسلوب وروعة الأداء، وحسن النظم، وهو ما نسميه بالبيان والبلاغة، ويتصل بهذا المقياس، سلامة القول وسلامة التعبير والتزام الصدق، والبعد عن التكلف.
وحينما نتصفح نقدات الرسول الآتية، نجدها قائمة على هذا الأساس واضحة خير ما يكون الوضوح.
روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل عمرو بن الأهتم عن الزبرقان بن بدر، فقال عمرو: مانع لحوزته مطاع في عشيرته، فقال الزبرقان: أما إنه قد علم أكثر مما قال، لكنه حسدني شرفي، فقال عمرو: أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا ضيق العَطَن، زَمِن المروءة، لئيم الخال، حديث الغِنى، فلما رأى الإنكار في عيني الرسول بعد أن خالف قوله الآخر قوله الأول، قال: يا رسول الله! رضيتُ فقلت أحسن ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما علمتُ، وما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الثانية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان سحرا، وإن من الشعر لحكمة".
وقد انطلق حكم الرسول الكريم هذا على قول عمرو بن الأهتم لما يحويه هذا القول من أسلوب جميل وأداء رائع، يأسر النفس ويفعل بها فعل السحر، ولما فيه من حكمة ومعنى حسن.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسن قول طرفة بن العبد ويتمثل به، وهو قوله:
ستُبدي الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّد1
وما كان استحسان الرسول صلى الله عليه وسلم لقول طرفة إلا لما حواه من معنى شريف ونسج جميل.
__________
1 يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينطق الشطر الأخير من البيت هكذا: ويأتيك من لم تزود بالأخبار.

الصفحة 278