كتاب النقد الأدبي ومقاييسه خلال عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الخلافة الراشدة
ومن ناحية المعاني فقد وصف عمر معانيه بالصحة والصدق.
ومن ناحية منهج الشاعر فقد وصف عمر زهيرا بالتزام الحق والصدق، والاعتدال والقصد، والتباعد من الإفراط والعلو.
ومن ذلك - أيضا - ما روي أن عمر رضي الله عنه كان يكثر من ترديد بيت زهير:
فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء1
متعجبا من علمه بالحقوق، وتفصيله بينها، واستيفائه أقسامها، وكان يقول: "لو أدركت زهيرا لوليته القضاء لمعرفته"2، وأية معرفة في دائرة الحق واقتضاء الحقوق أدق من التقاء فكر زهير في جاهليته مع ما ارتضاه الإسلام قاعدة بعد ذلك، وما قرره من مبدأ: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"3.
واستحسان عمر لبيت زهير قائم على أساس ديني؛ لأنه - أي بيت زهير - يلتقي مع أصل من أصول التشريع الإسلامي.
وشبيه بهذا الاستحسان - في قيامه على أساس ديني - نقده لشعر سحيم عبد بني الحَسحاس حين أنشد عمر قصيدته التي مطلعها:
عُميرة ودّع إن تجهّزت غازيا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
- وذلك بقوله: (لو كنتَ قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك) .
وهنا يضع عمر في حكمه ما تقتضيه متطلبات الدين الجديد التي تفرض على الإنسان أن يقدم الدين على كل ما عداه.
__________
1 يعني: يمينا، أو نفارا إلى حاكم يقطع البينات، وهو بيان وبرهان يجلو به الحق وتتضح الدعوى.
2 خزانة الأدب: 2/182.
3 في النقد الأدبي عند العرب: 84، للدكتور محمد طاهر درويش، ط دار المعارف - مصر.
الصفحة 283
376