كتاب نظام الإثبات في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 59)

مدخل
...
نظامُ الإثبات في الفقه الإسلامي
للدكتور عوض عبد الله أبو بكر أستاذ مساعد بكلية الشريعة
دراسة مقارنة
بينا في مقالنا السابق أن الفقه الإسلامي قد حوى نظاماً متميزاً ومتفرداً في الإثبات، يتسق مع نظامه الشامل العادل. فهو مع تحديده لأدلة إثبات الدعوى- على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء- إلا أنه لم يحد من سلطة القاضي في تقدير الأدلة حتى لا يجعل وظيفة القاضي إلية لا أثر لها في الحكم. كما أنه لم يطلق للقاضي الحرية الكاملة في تحديد الأدلة تجنبا لتعسف القضاة في استعمال هذا الحق فيستغلون سلطة وظيفتهم.
وقبل أن نتناوله هذه الأدلة نود أن نشير إلى أن القوانين الوضعية بعد مناقشات وتعديلات قد لجأت إلى تحديد الأدلة في الدعوى المدنية والتجارية، اتفاقاً بذلك مع قول جمهور الفقهاء، إلا أنها قد خالفت الفقهاء في تحديد القيمة لكل دليل من هذه الأدلة، كما سنرى إن شاء الله- أما في الدعوى الجنائية فإن القانونيين يميلون إلى رأى ابن قيم الجوزية الذي يقضي بعدم حصر أدلة الثبوت، ولذلك نجدهم يطلقون للقاضي الحرية الكاملة في الدعوى الجنائية ليستمد إقناعه من أي دليل يعرض عليه.
أما فيما يتعلق بأدلة الإثبات في الفقه الإسلامي، فإننا نجدها قد انقسمت إلى قسمين رئيسيين: قسم اتفق الفقهاء على حجته وقبوله كدليل في الدعوى، يعول عليه القضاة، ويتمسك به الخصوم في إثبات دعواهم، وقسم اختلف الفقهاء في قبوله دليلاً للإثبات. ومنشأ هذا الإختلاف في هذا القسم الأخير هو: إما لعدم قوة الأدلة الدالة على اعتباره، أو للإحتياط الشديد الذي تميزت به بعض المذاهب الإسلامية، فاحتاطت للقضاة حتى لا يكون تعويلهم على أدلة ظنية لا تطمئن إليها النفوس، فتضطرب الأحكام وتختلط الحقوق.
ولنلق الآن نظرة عامة على هذه الأدلة، ولنشير إلى موقف القانونيين في بعض مسائلها.
القسم المتفق عليه:
أولاً: الإقرار:
والمعنى الاصطلاحي للاقرار كما تدل عليه عبارات الفقهاء هو إخبار الإنسان بحق عليه لغيره. فلا يسمى إخبار الغير بحق لآخر إقرارا.1
الأصل في الإقرار:
وقد ثبتت حجية الإقرار بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول:
__________
1 البحر الرائق لابن نجيم جـ7، ص249 ط دار المعرفة بيروت. وانظر أيضا منحة الخالق على البحر الرائق لابن عابدين جـ7،ص 249. تبصرة الحكام لابن فرحون جـ 2 ص 53 المطبعة البهية مصر سنة 1302هـ

الصفحة 91