كتاب الرأي العام في المجتمع الإسلامي

يقول فيه، فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول خشية الناس: فيقول فإياي كنت أحق أن تخشى". 1
(6) ويحذر الله الجماعة المسلمة أن يفلت من يدها زمام الأمر فتغلب المعاصي وتنتشر الفاحشة فيستحقوا عذاب الله. وقد سألت عائشة- رضي الله عنها- رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث "2.
وعن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه، ولا يغيرون إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا"3.
وعن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ... } (المائدة: 160) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب عن عنده " 4.
الرأي العام ودوره في مقاطعة مجالس المنكرات:
ومن خير ما تتجلى به حراسة الرأي العام في المجتمع الإسلامي لمبادئ الشريعة وقيمها الحكم الشرعي الذي يأمر الجماعة المسلمة وكل فرد مسلم بمقاطعة مجالس المنكرات، والأماكن التي يعصى فيها الله، والمحافل التي يستهزأ فيها بدين الله، قال تعالى:
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} . (النساء: 140) إن المسلم مدعو إذا لم يستطع أن يغير المنكر بيده ولسانه، أن يغيره بقلبه والتغيير بالقلب ليس حركة انفعالية نفسية ولا تظهر أثراً إيجابياً في إزالة المنكر، بل هي حركة انفعالية نفسية عملية تساعد على التغيير بالانسحاب من مجلس يعصى فيه الله، وهذا ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث له: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
إن كلمة: "فبلسانه " و "فبقلبه " متعلقتان بالفعل "فليغيره"، والتقدير: فليغيره بيده،
__________
1 رواه ابن ماجه: ورواته ثقات ـ المرجع السابق (6) .
2 رواه البخاري: عن زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ المرجع السابق (6) .
3 رواه أبو داود: المرجع السابق: (8) .
4 رواه أبو داود والترمذي.

الصفحة 253