كتاب ظاهرة التقاص في النحو العربي

وَاصْطِلَاحا: هُوَ أَن تَأْخُذ الْكَلِمَة حكما من أُخْرَى أخذت مثله مِنْهَا تِلْكَ الْكَلِمَة الْأُخْرَى.
وَبِعِبَارَة أُخْرَى: أَن تتبادل الكلمتان حكما خَاصّا بهما. بِمَعْنى أَن تُعْطِي كل مِنْهُمَا الْأُخْرَى حكما مُسَاوِيا لما أَخَذته مِنْهَا.
وَقد تتأتى هَذِه الظَّاهِرَة بَين ألقاب الْإِعْرَاب، وفى إِبْدَال بعض الْحُرُوف من بعض، وَفِي زِيَادَة بعض الْحُرُوف.
أَولا: تحقيقها بَين ألقاب الإِعراب:
أما وُرُودهَا بَين ألقاب الْإِعْرَاب فقد تحقق بَين الْجَرّ وَالنّصب حَيْثُ جَاءَ الْجَرّ مَحْمُولا على النصب فِيمَا لَا ينْصَرف لشبهه بِالْفِعْلِ فِي وجود العلتين الفرعيتين أَو عِلّة تقوم مقامهما.
كَمَا حمل النصب على الْجَرّ فِي جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم، وفى التَّثْنِيَة، وَجمع الْمُذكر السَّالِم طلبا للمقاصة1.
أما نصب جمع الْمُؤَنَّث بالكسرة فَهُوَ تَابع للجر إِجْرَاء للفرع على وتيرة الأَصْل الَّذِي هُوَ جمع الْمُذكر السَّالِم، فَإِن النصب فِيهِ تَابع للجر، لِأَنَّهُ لولم يحمل نَصبه على جَرّه للَزِمَ مزية الْفَرْع على الأَصْل2.
وَأما نصب الْمثنى فقد جَاءَ بِالْيَاءِ حملا على الْجَرّ، لِأَنَّهُ يجر بِالْيَاءِ.
وَأما حمل النصب على الْجَرّ فِي جمع الْمُذكر السَّالِم كَمَا فِي التَّثْنِيَة فلأنك لَو قلبت الْوَاو ألفا فِي النصب لأفضى ذَلِك إِلَى الالتباس بالمثنى الْمَرْفُوع3.
وَإِنَّمَا حمل النصب على الْجَرّ دون الرّفْع، لوُجُود مُنَاسبَة بَينهمَا فِي وُقُوع كل مِنْهُمَا فضلَة فِي الْكَلَام4، وَلِأَنَّهُ يُشبههُ فِي الافتقار إِلَى الْعَامِل اللَّفْظِيّ5، وَلِأَن الفتحة إِلَى الكسرة أقرب من الضمة إِلَيْهَا فَحمل على الْأَقْرَب مِنْهُ6.
وَقد علل أبوعلي الْفَارِسِي لهَذِهِ الظَّاهِرَة فِي هَذَا الْمقَام تعليلا حسنا حَيْثُ بَين أَن
__________
1 الْأَشْبَاه والنظائر 1/ 135.
2 حَاشِيَة الصبان 1/ 103
3 شرح الألفية لِابْنِ النَّاظِم ص 15.
4 الْمسَائِل العسكريات للفارسي 53 1 وَابْن النَّاظِم 13، وَالتَّصْرِيح 1/ 79 والجامي على الكافية 8 1.
5 التوطئة للشلوبيني 130.
6 التَّصْرِيح 1/ 84.

الصفحة 159