كتاب ظاهرة التقاص في النحو العربي

مُوَافقَة الْجَرّ النصب فِيمَا لَا ينْصَرف، كموافقة النصب الْجَرّ فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع فَلَيْسَ الِاتِّفَاق للْبِنَاء، وَإِنَّمَا هُوَ لِاجْتِمَاع النصب والجر فِي كَونهمَا فضلتين، وَفِي كَونهمَا كاملتين بعد اسْتِعْمَال الْجُمْلَة المتضمنة للْفِعْل، أَو معنى الْفِعْل بجزئيها اللَّذين هما الْحَدث والمحدث عَنهُ، وَمن ثمَّ اتفقَا أَيْضا فِي بَاب الضَّمِير1.
وَمِمَّا يُقَوي هَذِه الظَّاهِرَة ويؤكد تحقيقها فِي هَذَا الْموضع وجود شبه بذهن عَلامَة كل من النصب والجر. فالفتحة تشبه الكسرة وَإِن اخْتلف موضعهَا. كَمَا أَن الْيَاء لَا يتَغَيَّر وَضعهَا سَوَاء أَكَانَت عَلامَة للجر، أم عَلامَة للنصب، وَإِن اخْتلفت حَرَكَة مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع.
__________
1العسكريات 153.
ثَانِيًا: فِي إِبْدَال بعض الْحُرُوف من بعض
إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء
...
ثَانِيًا: فِي إِبْدَال بعض الْحُرُوف من بعض:
1- إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء:
من حُرُوف الْإِبْدَال القياسي الْهمزَة وَالْهَاء، لِأَنَّهُمَا من حُرُوف "هدأت موطيا" وهما يتبادلان الْإِبْدَال، بِمَعْنى أَن الْهَاء قد تبدل همزَة، كَمَا أَن الْهمزَة قد تبدل هَاء.
فإبدال الْهمزَة من الْهَاء يكون فِي الِاسْم والحرف.
فإبدالها من الْهَاء فِي الِاسْم جَاءَ فِي قَوْلهم: مَاء وَشاء2. وَالْأَصْل موه وشوه. قلبت الْوَاو ألفا، وأبدلت الْهمزَة هَاء.
وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الْجمع. قَالُوا فِي جمع مَاء: أمواء، وَالْأَصْل أمواه، وَإِذا ثَبت أَن أَصْلهَا هَاء، ثَبت أَن الْهمزَة مبدلة عَنْهَا قَالَ الشَّاعِر:
وبلدة قالصة أمواؤها ... مَا صِحَة رأد الضُّحَى أفياؤها3
وَالدَّلِيل على أَن هَذِه الْهمزَة مبدلة من الْهَاء، رُجُوعهَا فِي التصغير والتكثير، قَالُوا فِي تَصْغِير مَاء مُوَيه، وَفِي جمعه مياه وأمواه. والتصغير والتكثير يردان الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا.
وَقد أكد ابْن عُصْفُور إِبْدَال الْهمزَة من الْهَاء بقوله: "وَإِنَّمَا جعلت الْهَاء هِيَ الأَصْل،
__________
1العسكريات 153.
2 أنظر سر الصِّنَاعَة1 / 113. والتبصرة 815 وَشرح الْمفصل لِابْنِ الْحَاجِب2/ 396. والممتع1 / 348وَابْن يعِيش 10/15 والأشباه والنظائر 1/ 135والأشموني والصبان4/ 213، 223.
3 سر الصِّنَاعَة 1/113 وَشرح الشافية 3/ 108 والممتع1 / 348وَشرح الْمفصل لِابْنِ الْحَاجِب 2/ 396 وَابْن يعِيش 10/15.

الصفحة 160