كتاب ظاهرة التقاص في النحو العربي

هَذِه هِيَ مَوَاضِع قلب الْوَاو همزَة، وَقد تقدّمت مَوَاضِع قلب الْهمزَة واواً.
وَقد تمّ هَذَا الْقلب المتبادل بَين الْوَاو والهمزة على طَرِيق الْمُقَاصَّة. لِأَن الْهمزَة وَإِن لم تكن من حُرُوف الْعلَّة، فَهِيَ شَبيهَة بِالْألف، وَلِهَذَا عدهَا بعض الصرفيين1 من حُرُوف الْعلَّة.
وأيا مَا كَانَ فَإِن الْألف أخف حُرُوف الْعلَّة، وَكَذَلِكَ مَا أشبههَا وَهُوَ الْهمزَة بِخِلَاف الْوَاو فَإِنَّهَا أثقلها.
فاللجوء- حِينَئِذٍ- إِلَى قلب الْوَاو همزَة لجوء إِلَى التَّخْفِيف، لِأَنَّهُ انْتِقَال من الثّقل إِلَى الخفة. بِخِلَاف الْعَكْس، وَهُوَ قلب الْهمزَة واواً. لِأَنَّهُ انْتِقَال من الْخَفِيف إِلَى الثقيل.
لهَذَا كَانَ قلب الْهمزَة واواً فِي نَحْو صحراء وعشراء ونفساء فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع بِالْألف وَالتَّاء، وَالنّسب2، انْتِقَال من الخفة إِلَى الثّقل، لِأَن الْهمزَة أخف من الْوَاو- كَمَا علمنَا- وَلَكِن ذَلِك تمّ على سَبِيل التَّقَاصّ.
فَكَمَا أَن الْوَاو قلبت همزَة. كَذَلِك أبدلت الْهمزَة واواً على طَرِيق الْمُبَادلَة والمقاصة، نظرا لتحقيق الشّبَه بَينهمَا، بِسَبَب أَن الْهمزَة شَبيهَة بِالْألف وهى حرف عِلّة.
بيد أَن ابْن "فلاح " جعل هَذِه الظَّاهِرَة3 متحققة بإبدال الْهمزَة واواً فِي الْجمع بِالْألف وَالتَّاء فَقَط. فِي مثل صحراء وصحراوات. أَي أَنه قصر الْمُقَاصَّة على جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم، اقتصاصا من قلب الْوَاو همزَة.
وَنحن إِذْ نقدر لِابْنِ فلاح جهده فِي الْإِشَارَة إِلَى هَذِه الظَّاهِرَة، وَفِيمَا ذهب إِلَيْهِ. نرى أَنه لَا ضير من جعل الْمُقَاصَّة شَامِلَة لكل الْمسَائِل الَّتِي تقلب فِيهَا الْهمزَة واواً، اطرادا للقاعدة، وشمولا للظاهرة، وتثبيتا للْقِيَاس، وتعميما للمصطلح، وتوسعاً فِي أساليب اللُّغَة، لِأَنَّهَا- بِلَا شكّ- تقبل ذَلِك وَلَا تضيق بِهِ.
__________
1 رَضِي الدّين الإستراباذي فِي شَرحه للشافية أول بَاب الإعلال 3/ 79.
2 الممتع1/ 363.
3 الْأَشْبَاه والنظائر 1/ 135.
ثَالِثا: فِي زِيَادَة بعض الْحُرُوف:
من الْمُقَرّر أَن- اللَّام ألف- أَصْلهَا الْألف الَّتِي هِيَ مَدَّةَ سَاكِنة، وَلكنهَا دُعِمت بِاللَّامِ قَبْلها متحركة ليمكن الِابْتِدَاء1 بهَا، وليصح النُّطْق كَمَا صَحَّ بِسَائِر الْحُرُوف غَيرهَا. لِأَن السَّاكِن لَا يُمكن الِابْتِدَاء بِهِ.
وَإِنَّمَا دُعمت بِاللَّامِ قبلهَا وَلم تُدعَم بِهَمْزَة الْوَصْل الَّتِي يُؤْتى بهَا توصلا إِلَى النُّطْق بالساكن، لِأَنَّهُ لَا يُمكن الْإِتْيَان بهَا قبل الْألف، وَلِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى نقض الْغَرَض الَّذِي قصدُوا لَهُ، لِأَن همزَة الوصَل قد تَأتي مَكْسُورَة، وَلَو كسرت لانقلبت الْألف يَاء مَكْسُورَة لانكسار مَا قبلهَا.
فَيُقَال: (إِي) فَلَا تصل إِلَى الْألف الَّتِي اعتمدت2عَلَيْهَا، فَلَمَّا لم يجز ذَلِك، عَدَلوا إِلَى اللَّام دون غَيرهَا، لِأَن الْعَرَب توصلوا إِلَى النُّطْق بلام التَّعْرِيف بِزِيَادَة الْألف قبلهَا، توصلا إِلَى النُّطْق بهَا، فحركوا الْألف فَصَارَت همزَة، وجعلوها همزَة3وصل نَحْو: الْغُلَام وَالْفرس وَالْجَارِيَة. فَلَمَّا افْتَقَرت الْألف إِلَى حرف جِيءَ بِاللَّامِ قبلهَا فِي (لَا) توصلا إِلَى النُّطْق بِالْألف الساكنة ليَكُون ذَلِك ضربا من التَّقَاصّ والتعويض بَين الحرفين فَصَارَ لَا.
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ...
__________
1 سر صناعَة الْإِعْرَاب 1/ 48 ومنثور الْفَوَائِد لِابْنِ الْأَنْبَارِي ص 75.
2سر الصِّنَاعَة 1/ 49.
3منثور الْفَوَائِد 75.

الصفحة 166