كتاب دفاع عن العقوبات الإسلامية

المجرم بنفس الطريقة التي أرتكبها مع الضحية ما أمكن ذلك، إلا في الحالات التي لا يمكن تنفيذ القصاص فيها، أو أن القصاص يؤدى إلى مفسدة. فيما عدا ذلك فالقصاص هو الأصل ولا يعترض عليه أو ينتقده إلا مغفل أو مغرض. هذه حاله.
الحالة الثانية: أن تكون العقوبة التي تبدو شديدة جدا، والعقوبات الحدية التي قد تكون شديدة لا تزيد عن ثلاث: عقوبة الزاني المحصن رجما، والمحارب قاطع الطريق، بقطعه من خلاف، يده اليمنى، ورجله اليسرى والسارق بقطع يده اليمنى، وهذه الجرائم لا يمكن بحال من الأحوال أن تعالج إلا بهذه العقوبات، هذا أمر، والأمر الثاني أن من ينظر في هذه الحدود الثلاثة وطرق إثباتها يلاحظ أنها لا تثبت إلا عن طريقين فقط.
الطريق الأولى: طريِقة الاعتراف الصحيح، الخالي من الموانع، الصادر من عاقل بالغ، وفى حالة معتبرة شرعاً، دون إكراه أو ضرورة، وأن يثبت على إقراره حتى يتم تنفيذ العقوبة فيه، وله الحق أن يرجع عن إقراره ولو بعد الشروع في معاقبته.
فأي شدة أو قسوة في ذلك؟ إذا كان إنسان عاقل بالغ مدرك يختار عقوبته بنفسه ويعلم أنه سوف يرجم أو تقطع يده أو يجلد إذا أصر على إقراره واستمر فيه، فما ذنب الحاكم في ذلك، إذا كان هذا المتهم مؤمن ومعتقد بأنه سوف يقدم على ربه، ويعتبر تحمل هذه العقوبة من باب التوبة الصادقة مع العلم بأنه لا يجوز التحايل لأخذ الإقرار في الحدود، بل القاعدة على العكس حيث يستحب تلقين المتهم ما يصرفه عن الاعترَاف الصريح.
الطريقة الثانية: أن تثبت هذه الحدود عن طريق الشهادة، وإنها لطريق صعبة، ومسلك وعر، فقد وضعت شروط دقيقة عديدة، قل أن تتوفر، خاصة بالنسبة للزنا، فهناك شروط في الشاهد، وهناك شروط في الشهادة وشروط في الإحصان، وشروط في الزنا، ومن النادر جدا أن تتوفر هذه الشروط في قضية من القضايا1.
ولقد سألنا من نعرف من العلماء والباحثين عما إذا كانوا يعرفون واقعة زنا ثبتت في عصر من العصور بالشهادة، فلم نجد عندهم جوابا، مما يدل على أن هذا الأمر نادر جدا، فهذه العقوبات والله أعلم هي للتهويل والتخويف، والتهييب للمجرمين، أكثر مما يراد بها إيقاعها بهم. فالمجرم لاشك أنه إذا علم بهذه العقوبة الشديدة، سوف يتصور أنها ربما أوقعت به، ولا يزال في ذهنه شيء من الاحتمال مهما كان قليلا، وهذا التصور وهذا الاحتمال له دور كبير في صرف المجرم عن جريمته، ولفت نظره لإعادة الحساب. والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
1 ذكر صاحب المغنى أنه حصل في عهد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله واقعة زنا ثبتت بالشهادة وذلك في الجزء السابع ص163 في كتاب الفرائض.

الصفحة 84