كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام

فَإِنَّ سَبَبَ الْقَوْلِ الْعَامِّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيهِ, وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ خَمْرٌ مِنْ الْعِنَبِ.
ثُمَّ {إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَعَنَ الْبَائِعَ لِلْخَمْرِ} (1) . وَقَدْ بَاعَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ خَمْرًا حَتَّى بَلَغَ عُمَرَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: {قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا, أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ, حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا؟} (2) وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ بَيْعَهَا مُحَرَّمٌ, وَلَمْ يَمْنَعْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عِلْمُهُ بِعَدَمِ عِلْمِهِ أَنْ يُبَيِّنَ جَزَاءَ هَذَا الذَّنْبِ؛ لِيَتَنَاهَى هُوَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْعِلْمِ بِهِ.
وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَاصِرَ وَالْمُعْتَصِرَ (3) ؛ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يُجَوِّزُونَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْصِرَ لِغَيْرِهِ عِنَبًا, وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَمْرًا.
فَهَذَا نَصٌّ فِي لَعْنِ الْعَاصِرِ, مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَعْذُورَ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ لِمَانِعِ.
__________
(1) انظر صفحة (55) رقم (1) .
(2) روى البخاري ومسلم في "صحيحهما" عن ابن عباس: بلغ عمر أن رجلاً باع خمراً فقال: قاتله الله، ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها) وفي رواية لهما عن أبي هريرة وجابر: (وأكلوا أثمانها) .
(3) انظر صفحة (55) رقم (1)

الصفحة 56