كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام

فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ لَا يُصِيبُهُ هَذَا الْوَعِيدُ لَوْ أَنَّهُ فَعَلَ التَّحْلِيلَ مُعْتَقِدًا حِلَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَلَا يَمْنَعُنَا ذَلِكَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ التَّحْلِيلَ سَبَبٌ لِهَذَا الْوَعِيدِ, وَإِنْ تَخَلَّفَ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ.
وَكَذَلِكَ اسْتِلْحَاقُ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- زِيَادَ بْنَ أَبِيهِ الْمَوْلُودَ عَلَى فِرَاشِ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ؛ لِكَوْنِ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ يَقُولُ: إنَّهُ مِنْ نُطْفَتِهِ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: {مَنْ ادَّعى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ, فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ} (1) وَقَالَ: {مَنْ ادَّعى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ, أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ, فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ, لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا} (2) حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَضَى أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ, وَهُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا.
فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ الْأَبِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ, فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيَّنَ أَحَدٌ دُونَ الصَّحَابَةِ فَضْلًا عَنْ الصَّحَابَةِ, فَيُقَالُ: إنَّ هَذَا الْوَعِيدَ لَاحِقٌ لِه,
__________
(1) رواه الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود من حديث سعد بن أبي وقاص، وأبي بكرة رضي الله عنهما.
(2) رواه مسلم في "صحيحه" ج 2 - 998.

الصفحة 59