كتاب ذم الفرقة والاختلاف في الكتاب والسنة

لعصبية أو يدعو إلى عصبية فقُتل فقِتلةً جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بعهد ذي عهدها فليس مني ولست منه".
فحذر- صلى الله عليه وسلم - مما يفرق ويوهن الجماعة وأمر بقتل من يريد أخذ السلطة ممن هي بيده واجتمع عليه المسلمون سواء كان برا أو فاجرا وأخبر أن من قتل تحت راية عُمِّيّة أن قتلته جاهلية ومن قاتل لعصبية أنه كذلك وتبرأ ممن يفرق بين أمته.
وأما قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فليس فيه الأمر بالقتال ابتداءً ولكن إذا حصل القتال بين طائفتين من المؤمنين يجب الإصلاح بينهما بدون قتال ما أمكن ذلك امتثالا لأمر الله تعالى، ويكون الإصلاح بالعدل والإنصاف وقد تكون إحدى الطائفتين أقرب إلى الحق، فتعان على الحق ويحال بين الأخرى وبين البغي والظلم، فإن أبت إحداهما قبول الصلح والحكم بينهما بالحق، وأبت إلا البغي وركوب العسف والتمادي في الباطل، فعند ذلك تقاتل تلك الطائفة منعا للقتال الذي هو أعظم من قتالها لأنها إذا لم تقاتل حتى تفيء إلى أمر الله بل تركت حتى تتقاتل هي والأخرى صار الفساد أعظم، ثم إن الذي يقاتل الطائفة الباغية غير الطائفة المبغي عليها، فهذا من نصر المظلوم ودفع الفساد العظيم بما هو أقل منه فسادا.
قال ابن جرير: "يقول جل ذكره: وإن طائفتان من أهل الإيمان، اقتتلوا، فأصلحوا أيها المؤمنون بينهما بالدعاء إلى حكم كتاب الله، والرضا بما فيه لهما وعليهما وذلك هو الإصلاح بينهما بالعدل، فإن بغت إحداهما على الأخرى، يقول: فإن أبت إحدى الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله لها أو عليها، وتعدت ما جعل الله عدلا بين خلقه وأجابت الأخرى منهما، فقاتلوا التي تبغي؛ أي التي تعتدي وتأبى الإجابة إلى حكم الله حتى تفيء إلى أمر الله، أي حتى ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه، فإن فاءت {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} يقول: فإن رجعت الباغية بعد قتالكم إياهم إلى الرضا بحكم الله في كتابه فأصلحوا بينها وبين الطائفة الأخرى بالعدل يعني الإنصاف بينهما وذلك حكم الله في كتابه جعله عدلا بين خلقه" وهذا ليس فيه قتال الأئمة الذين بأيديهم السلطة، بل هذا نوع آخر وإنما المأمور به في هذه الآية دفع الفتنة وتقليلها ما أمكن بالإصلاح أو بالقتال إذا لم يمكن بدونه، فتقاتل الفئة الباغية على الأخرى، حتى تذعن لحكم الله، ويصير الدين كله لله وكلمة المسلمين مجتمعة.

الصفحة 21