كتاب ذم الفرقة والاختلاف في الكتاب والسنة

وبهذا تجتمع النصوص وتتفق، ويزول التعارض الذي يتوهمه بعض الناس.
وهذا الأمر مما ينبغي الاهتمام بفهمه، فإن خطره عظيم، والنصوص التي تقدم ذكر بعضها تدل على وجوب الكف عن القتال في الفتنة، ولكن إذا كان الخارج مارقا من الدين ظاهر الضلال ويتدن بقتال المسلمين كالخوارج والروافض الذين يرون قتل المسلمين من فضائل الأعمال، فإنهم يُقاتلون وُيرغب في قتالهم، كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقتال الخوارج ورغب فيه والروافض أشر من الخوارج.
وما قاله بعض العلماء من وجوب القتال مع من هم أولى بالحق، فالصواب خلافه- أي وجوب الكف عن القتال - لأن القتال فيه من الشر العظيم والفتنة والفساد أعظم مما في ترك القتال كما هو الواقع، لأن القتال في مثل ذلك لأجل ترك واجب مثل الامتناع من طاعة معين والدخول في الجماعة، وفي قتال الممتنعين ما فيه من سفك دماء المسلمين والفتن العظيمة أعظم مما يحصل بتركه، وإن كان غيرهم أولى بالطاعة والمقصود أن الله تعالى نهى عن التفرق وعن أسباب الفتن، مما يضعف الأمة ومن تتبع تاريخ المسلمين عرف أن أكثر الاختلاف والتفرق حصل في مسائل الصفات والقدر والإمامة وغالب ذلك مما يدخله الاجتهاد، فهم في ذلك ما بين مجتهد مخطئ ومخطئ باغ وباغ من غير اجتهاد أو مقصر فيما أمر به من الصبر والاحتمال، فحصل بسبب ذلك من القتال والشرور ما هو معلوم لمن نظر في التاريخ والواقع.
وقد قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} فأمر تعالى بالصبر على أذى الكفار من اليهود والنصارى والمشركين مع التقوى.
وفي هذا تنبيه على وجوب الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض متأولين كانوا أو غير متأولين.
والله تعالى قد أمر بالعدل مع الكفار وغيرهم كما قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} .
فنهى تعالى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على عدم العدل فيهم، فكيف إذا كان البغض لفاسق مؤمن أو مبتدع متأول، فهو أولى بوجوب العدل معه وأن لا يحمل بغضه على ظلمه.
والإسلام جاء بتأليف القلوب وجمعها على الحق ومناصرة المؤمنين ومعاونتهم

الصفحة 27