كتاب ذم الفرقة والاختلاف في الكتاب والسنة

وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} .
فالمتعين على المسلم أن يكون أصل قصده توحيد الله تعالى بعبادته وحده لا شريك له، وطاعة رسوله- صلى الله عليه وسلم - بإتباع أمره، واجتناب نهيه، يدور مع ذلك حيث وجده، في قوله، وعمله، فلا ينتصر لقول شخص مهما كان، انتصارا مطلقا إلا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - لأنه لا ينطق عن الهوى، وهو معصوم عن الخطأ في ما يبلغه عن الله تعالى، ويعلم أن أفضل الناس بعد الأنبياء هم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعن، فلا ينتصر لطائفة انتصارا عاما مطلقا إلا لهم، ومن عداهم فالانتصار لهم يجب أن يكون بقدر ما معهم من الحق، وذلك لأن الحق والهدى يدور مع الرسول- صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه إذا اجتمعوا فهم على الحق قطعا، بخلاف أصحاب غيره من الأئمة، فيجوز أن يجتمعوا على الباطل، أما مجموع الأمة فلا تجتمع على الباطل ومن الممتنع أن لا يعرف الصحابة الحق الذي جاء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأن يعرف أحد من العلماء بعد الصحابة، ما لا يعرفه الصحابة بمجموعهم، أو يعرف حقا يخالف ما جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم - بل كل ما خالف قوله أو فعله فهو باطل.
والصحابة هم الذين بلغوا الدين عن الرسول- صلى الله عليه وسلم -فلا يمكن معرفة ما جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم - إلا بواسطتهم، ولهذا صار الطعن فيهم طعنا في الدين.
والمؤمن بالله حقا، ظاهرا وباطنا هو الذي قصده إتباع الحق، وما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن وقع في خطأ فهو غير مقصود، بخلاف أهل البدع والاختلاف فإنهم لا يقصدون إتباع الحق، بل يتبعون أهواءهم، وما تزينه لهم شياطينهم وعلى ذلك يعادون ويوالون، ويقصدون نصر جاههم، ورياستهم، وما ينسب إليهم، لا يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله.
ولهذا نجدهم يغضبون على من خالفهم، وإن كان مجتهدا معذورا، ويرضون على من يوافقهم وإن كان جاهلا منافقا سيئ القصد، ليس له علم ولا حسن قصد، ولهذا يذكر العلماء: أن من عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضا، ولعن بعضهم بعضا ومن مدائح أهل السنة أنهم يخطئون ولا يكفرون، فأهل البدع يحمدون من لم يحمده الله ورسوله، ويذمون من حمده الله ورسوله.
فهم في الحقيقة يتبعون أهواءهم، ولهذا يسميهم السلف أهل الأهواء، لأنهم لا ينظرون إلى أن يكون دين الله هو الظاهر، وكلمته العالية، ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} فإذا لم يكن الدين كله لله فالفتنة موجودة.

الصفحة 33