كتاب الوحدة الإسلامية أسسها ووسائل تحقيقها

السعادة في الدنيا باجتماع الكلمة ووحدة الأمة وطمأنينة النفس واستقامة الحياة.. وهي آمال يحلم بها جميع شعوب العالم ولكنهم لم يهتدوا إلى أسبابها ووسائلها.
ولكن تعدد الغايات وتنوعها يفتت الأمة ويشتت كلمتها ويجعل كل فئة من الأمة لها غاية تخالف غاية الفئة الأخرى تسعى لتحقيقها والوصول إليها.
فغاية اقتصادية.. وغاية سياسية.. وغاية شهوانية.. وهكذا غايات متعددة تنتهي بهم إلى فئات متصارعة وسبل متفرقة.
قال عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1.
__________
1 سورة الأنعام: آية 153.
ثانيا: وحدة العقيدة:
إن التفرق الذي ابتليت به الأمة في عقيدتها- كما رأينا طرفا منه في أول البحث- لا يمكن أن يكون معه اجتماع للأمة ولا تعاون ولذلك فإنه لابد أولا من علاجِ لذلك التفرق برد الملحدين إلى الله عز وجل وتصحيح عقائد المنحرفين لتتوحد القلوب وتتآلف النفوس. فأما الذين ابتلوا بمرض الإلحاد فقد كان ذلك في غيبة من الوعي الإسلامي وفي وقت الانبهار بالحضارة الغربية التي تمردت على الدين بل حملت لواء الحرب ضده.
والآن وقد بدأ المسلمون يدركون حقيقة الحضارة الغربية وما تحمله من سلبيات وثمرات فاسدة.. بدأ الوعي يدب في صفوفهم ويدركون قيمة هذا الدين وأنه لا سعادة للإنسان في هذه الحياة بدون أن يلتزم بعقيدته وتوجيهاته.
يقول الأستاذ محمد محمود الصواف: "وفي يقيني أن الزمن الذي كان يسمى فيه الإسلام "رجعية" و"تزمتا" قد مضى وانقضى حيث تعرى خصوم الإسلام وانكشفوا وظهر زيف دعواتهم الباطلة من قومية واشتراكية وحزبية قاتلة وغيرها من فتن هذا العصر المضللة ورأى الناس خيبتها وخسرانها وتضييعها للأوطان وتدميرها وعبثها بحقوق الإنسان، ورأوا عن كثب ويلاتها على العرب الذين ابتلوا بها، بل ويلاتها على الجنس البَشرى في جميع أنحاء الأرض ومن دعاتها من رأى ذلك بأم عينه ولكنه معاند مكابر لا يعترف بإخفاقه ولا يريد الخضوع أمام غيره.
ولم يعد الإسلام "رجعية" كما كانوا يسمونه وتسميه إذاعاتهم بأصواتها المنكرة

الصفحة 58