كتاب تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف

وإما أن تتعدد طرقه وكلها غير صالحة للإعتبار على تفاوت مراتب ضعفه كأن يكون موضوعاً وهو الذي في إسناده كذاب أو وضاع - وهو أشر أنواع الضعيف- أو أخف من سابقه قليلاً وهو الذي اشتد ضعفه بأن يكون في إسناده متهم أو مجمع على تركه، أو ذاهب الحديث، أو هالك، أو منكر الحديث، أو ليس بشيء أو ضعيف جداً، فهذا لا يلتفت إليه، مهما تعددت طرقه، ما دامت بهذه الصفة إلا على قول أنه بتعدد طرقه تخف شدة ضعفه1 بحيث تكون بمجموعها بمثابة طريق واحد صالح للمتابعة فهذا يكون العمل به كلاحقه.
وإما أن لا تتعدد طرقه بأن لا يكون له إلا طريق واحد صالح للإعتبار، أو تتعدد وهي كلها واهية سوى طريقاً واحداً صالحاً للمتابعة، فهذا إما أن تتلقاه الأمة بالقبول، فيعمل به على الصحيح، كما قال الشافعي: حديث "لا وصية لوارث" أنه لا يثبته أهل الحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخاً لآية الوصية له 2.
قلت: هذا إذا كان الحديث ضعيفاً، أما هذا الحديث فصحيح3.
وإما أن لا تتلقاه بالقبول فهذا يتوقف فيه، لأنه لا عاضد له من متابع وشاهد فيقبل ولم يشتد ضعفه فيرد من أجل ذلك4.
وهذا القسم اختلف العلماء في العمل به على أقوال ثلاثة5:
الأول: لا يعمل به مطلقاً، لا في الأحكام، ولا في الفضائل، حكاه ابن سيد الناس6 عن يحيى ابن معين ونسب إلى أبي بكر بن العربي7.
والظاهر أنه مذهب البخاري ومسلم، أخذ ذلك من شروط البخاري في صحيحه وتشنيع الإمام مسلم على رواة الضعيف وعدم إخراجها في صحيحهما شيئاً منه ذكره القاسمي8.
وذهب ابن حزم إلى هذا قال: "ما نقله أهل المشرق والمغرب، أو كافة عن كافة، أو ثقة عن ثقة، حتى يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن في الطريق رجلاً مجروحاً: بكذب أو غفلة أو
__________
1 انظر هذا القول في رواية الأحاديث الضعيفة ص18.
2 الرسالة 141، 142 المسألة 402،403 والأم 4/ 40 وراجع فتح المغيث 1/268.
3 راجع الاراء6/87 الحديث 1655ـ
4 راجع فتح المغيث: 1/ 71.
5 راجع القول البديع 256 وقواعد التحديث 113- 114.
6 عيون الأثر: 1/ 15.
7 راجع تدريب الراوي 196 والقول البديع 256.
8 قواعد التحديث 113- 114.

الصفحة 33