كتاب تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف

بقوله: "فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الإصطلاحي لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح".
ثم قال: "وأما علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده وفي علله فظاهر عبارته قصد المعنى الإصطلاحي. وكأنه الإمام السابق لهذا الإصطلاح، وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد، وعن البخاري أخذ الترمذي. فمن ذلك ما ذكر الترمذي في العلل الكبير أنه سأل البخاري عن أحاديث التوقيت في المسح على الخفين فقال: حديث صفوان بن عسال صحيح وحديث أبي بكرة حسن. وحديث صفوان الذي أشار إليه موجود فيه شرائط الصحة"1.
ثم قال: "فبان أن استمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري، ولكن الترمذي أكثر منه وأشاد بذكره وأظهر الإصطلاح فيه فصار أشهر به من غيره"2.
فظهر بهذا أن الحق مع من قال أن الحسن لم يشتهر إلا بالترمذي، لأن الحسن على المعنى الإصطلاحي وإن استعمل قبل الترمذي إلا أن الترمذي هو الذي أكثر منه وأشاد بذكره وأظهر الإصطلاح به حتى أنه عرف به كما ذكره ابن حجر فيما تقدم.
وكلام ابن تيميه المتقدم صريح في ذلك إذ أنه قال: "وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف هو أبو عيسى الترمذي في جامعه" ولم ينف استعماله فيما قبل الترمذي. ومن البعيد أن يخفى على ابن تيمية مع ما وصف به من التحقيق وكذلك تلميذه ابن القيم ورود الحسن في كلام من تقدم على الترمذي والله أعلم.
وقد تأول جماعة من العلماء هذه الروايات بأن المراد بها معنى آخر غير المعنى المتعارف لكلمة (ضعيف) وهذا المعنى المراد هو (الحسن) لأنه ضعف عن درجة الصحيح. لكن هذا التأويل يشكل عندنا بما قاله أبو داود ولفظه وإن من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل ومدلس، وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل وهو مثل الحسن عن جابر والحسن عن أبي هريرة، والحكم عن مقسم عن ابن عباس- حيث جعل أبو داود الحديث غير المتصل صالحاً للعمل عند عدم الصحيح، ومعلوم أن المنقطع من أنه الحديث الضعيف لا الحسن. كما أنه على تأويل الضعيف
__________
1 النكت: ا/426-427.
2 النكت:1/ 429.

الصفحة 41