كتاب الجهاد بين عقيدة المسلمين وشبه المستشرقين

رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الآية1 وكان لذلك أكبر الأثر في انتشار الإسلام بصورة واضحة بين القبائل العربية منذ صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة، وأخذت الوفود تترى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتىٍ عددَّ ابن سعد في الطبقات عند ذكره لوفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً وسبعين وفداً2 وقد جاءوا إما عن رغبة صادقة أو رهبة وخوف، لأن الإيمان هبة من الله يمنحها الصادقين من عباده، فعندما جاءت بنو أسد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله أسلمنا وقاتلتك العرب ولم نقاتلك، فقال رسول الله صلى الله وسلم: "إن فقههم قليل وإن الشيطان ينطلق على ألسنتهم"، ونزلت هذه الآية {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} الآية3.
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم واصل جواده بعد أن ضرب الإسلام بجرانه في الجزيرة العربية، فأرسل الكتب إلى كبار الملوك آنذاك في العالم الحيَّ يعرض عليهم اعتناق الإسلام، فبعث إلى إمبراطور الروم وإلى نجاشي الحبشة وإلى كسرى ملك الفرس، والمقوقس صاحب الإسكندرية (مصر) وإلى أمراء الغساسنة وغيرهم4 فأجاب بعضهم إجابة مهذبة وثار آخرون وتوعدوا. وتأكيداً لتحقيق تلك المرحلة من مراحل الدعوة5 حدثت بعض الغزوات، وأعد الرسول صلى الله عليه وسلم بعث أسامه بن زيد، وهو البعث الذي أنفذه الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
ولكن الدعوة الإسلامية واجهت صراعاً متصلاً بين المبادئ الإسلامية الداعية إلى الوحدة والإخاء والمساواة والسلام، وبين الإتجاهات العنصرية الداعية إلى عصبية القبيلة والتفكك والإنقسام. واشتد ذاك الصراع عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، فحدث ارتداد العرب عن الإسلام، والذي مثّل مظهراً من مظهراً التصادم بين العقيدة الإسلامية وبين القبلية الجاهلية، فقد انتعشت روح العصبية لدى بعض الزعامات القبلية التقليدية والتي لم يكن قد وقر الإيمان في قلوب بنيها، تلك العصبية التي حار بها الرسول صلى الله عليه وسلم وقضى عليها.
ولكن الخليفة أبا بكر الصديق رضي الله عنه تصدى لكل ذلك في قوة ورباطة جأش
__________
1 سورة الأحزاب الآية 21.
2 ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، ج 1 ص 1 29- 359، (بيروت دار صادر) .
3 سورة الحجرات آية 17 انظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم ج 4 ص 218.
4 ابن سيد الناس، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ج 2 ص 329 ط 3 (بيروت، 1402 هـ) .
5 أنظر هذا البحث ص 2 (مراتب الدعوة) .

الصفحة 75