كتاب الزلاقة معركة من معارك الإسلام الحاسمة في الأندلس

النصارى، وامتلأت قلوبهم رعباً، فقلّ عبثهم، وخطب ملوكهم ودّ الدولة الإسلامية في أكثر عهودها.
ولما انقطعت تلك الدولة قام الطوائف بعد الخلائف، وانتزى الأمراء والرؤساء من البربر والعرب والموالي بالجهات، واقتسموا خططها، وتغلّب بعض على بعض 1، وكثرت الفتن وانبسط عدو الدين في الجزيرة وبلغ منهم كلّ مبلغ ما بين قتل وأسر، وهم (أي ملوك الطوائف) في تحاسد واختلاف الكلمة وانتحال الأوصاف، واقتسام ألقاب الخلافة، فتلقّبوا بالناصر، والمنصور، والمعتمد، والمظفر، والمتوكل، والقادر، والمؤتمن، وغير ذلك، فمال شاعر الأندلس أبو بكر محمد بن عمار أو غيره 2:
مما يزهدني في أرض أندلس ... أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
واستعان بعضهم على بعض بأعدائهم من نصارى الشمال، فوجد النصارى الفرصة للقضاء علىِ المسلمين جميعاً في شبه الجزيرة، فأخذوا يضربونهم، بعضهم ببعض، ويدفعون كلا منهم للصراع، ويغرونهم بشتّى الإعانات، والخداع، والمكر، والكيد، حتى يتمكّنوا من أخذ البلاد والاستيلاء على الطّارف والتّلاد 3 كما نشروا الجواسيس لإيجاد الصدع في صفوف المسلمين 4، وتنازع الإخوة من ملوك الطوائف على الملك 5، واستعان كلّ منهم بالعدوّ الصّليبي على أخيه، ولبَّى النّصارى الاستغاثات لأنهم وجدوها فرصة لتصفية الحساب مع المسلمين، فكانوا يقدمون الضّمانات الزّائفة، والوعود الكاذبة للجانب الذي ظهر رجحان كفته، حتى إذا أوشك على النّصر قلبوا له ظهر المجنّ وعملوا على ترجيح كفّة منافسه 6 كما أخذت الكنيسة في روما تتحرّك بقوّة بما لاحظته من ضعف المسلمين، فعملت على تكتّل نصارى أسبانيا، وعلى تكتّل النّصارى في أوربا لتوحيد العمل ضد الإسلام والمسلمين. والحقّ أن الأفرنج ما طمعت في الأندلس إلاّ عندما تفرقت
__________
1 نفسه جـ1 ص413.
2انظر سير أعلام النبلاءجـ18 ص582-583/ نفح الطيب جـ1 ص214، جـ4 ص255/ ابن خلكان- وفيات الأعيان جـ4 ص428/ المؤنس ص101.
3 نفح الطيب جـ507 ص507 عن جنة الرضى لابن عاصم.
4 وقصة المنصور مع الشيخ الهرم، واكتشاف جاسوسيته مثال على هؤلاء الجواسيس/ نفح الطيب جـ1 ص378.
5 كما حصل في أمراء بنى هود بين الأخوين المقتدر بن هود والمظفر بن هود. وكما حصل لأبناء المقتدر: المؤتمن، والمنذر (الحجي- التاريخ الأندلسي ص356) .
6 كما حدث مع أبي بكر بن عبد العزيز الذي ثار على القادر واحتمى بالفونسو السادس.

الصفحة 173