كتاب الزلاقة معركة من معارك الإسلام الحاسمة في الأندلس

أمّا النّصارى فقد بدأوا بتغيير مخطّطاتهم التي رسمها لهم الفونسو السّادس لقتال المسلمين في الحرب التي دعوها حرب الاسترداد 1. وأخذت الكنيسة هي التي تضع الخطط وتتابع تنفيذها، واستسلمت أسبانيا النصرانية لأحضان الكنيسة الروّمانيّة المتعصبّة، وخضعت لسياستها الحربيّة، بإقصائها جميع الرهبان الذين قد يزددون في السّير مع ما تحدّده الكنيسة دون قيد أو شرط. ودفعت الآَباء البندكتيين بزعامة الراهب الفرنسي برنار لمحاربة المسلمين، واعتبرت حرب المسلمين مقدّسة يعادل أجر المشارك فيها أجر الّذين دفعتهمٍ إلى قلب العالم الإسلامي في المشرق بعد ذلك. بل إن البابا اسكندر الثاني أصدر مرسوما حرّم فيه على رجالَ الدّين الأسبان المشاركة في الحروب الصليبية في الشّرق، وأكّد أن محاربة المسلمين في أسبانيا تفوق أهمية وقدراً محاربتهم في الشّرق.
وهكذا تمكّنت الكنيسة من الزّجّ بكثير من نصارى أوربا في صفوف مقاتلة ملوك أسبانيا، بحيث أصبح معينُهم لا ينضب من الرّجال والمال والسّلاح. فاستطاع الفونسو بسرعة مدهشة أن يحشد جيشاً جديداً جاءت إمداداته من فرنسا ونورمندية وألمانية، والفلاندر بروح صليبيّة، ولم يمضِ عام واحد على هزيمته حتى تمكّن من استعادة قواه، وأخذ المبادرة وبدأ بعمليّات الهجوم، ونقل ميدان نشاطه إلى شرق الأندلس، وتحالف مع الكامبيدو، وأنشأ حصن اليدو (الييط) بين مرسية ولورقة، وافر المناعة ضخماً، شحنه بالسلاح والمال والرّجال، وبلغت حاميته ثلاثة عشر ألفاً منهم ألف فارس، بالإضافة إلى أنه ضم جماعات نصرانية التجأوا إليه، واتّخذه النّصارى قاعدة للإغارة على أراضي مرسية والمرية، وبثّوا الرعب والفزع في قلوب المسلمين في تلك الأنحاء، وعجزت القوات الأندلسية عن ردّ عدوانهم، فضجّ أهل تلك الأنحاء وعادت الوفود من أهل الأندلس تترى على أمير المسلمين وخاصة من بلنسية ولورقة ومرسية، فكثر الصريخ، وكثرت رسل الإنجاد والغوث 2. وتلقىّ الكتب من فقهاء الأندلس وأعيانها، يلحفون في رجاء الإنجاد والغوث
__________
1 درج كثير من المؤرخين المسلمين على تسمية الحرب الصليبية ضد المسلمين في الأندلس: (حرب الاسترداد) كما فعل مؤرخو النصارى، وهذا تعبير خاطيء لأن السلمين عندما فتحوا الأندلس لم يسلبها السكان النصارى أراضيهم ولم يخرجوهم من ديارهم، بل نشروا عقيدة الإسلام فأسلم الناس طوعاً وتسلموا راية الإسلام مع العرب والبربر المسلمين. والنصارى الذين قاموا بالهجوم على مسلمي الأندلس في أكثريتهم من نصارى أوربا، فهم في الحقيقة الذين أخرجوا المسلمين من ديارهم أو أجبروهم على التنصر أو أبادوهم!!.
2 عنان- الطوائف ص 332/ الحلل الموشية ص47 و48.

الصفحة 199