كتاب الحيل

ثم اختلف الذين أخذوا بالحديث هل يتعين التمر أم لا؟
فقال كثير منهم: يتعين، وقال بعضهم: لا يتعين بل يخرج من غالب قوت أهل البلد ولا يختص ذلك بالتمر، وهذا كما قال ابن القيم رحمه الله أقرب إلى قواعد الشريعة وإلا فكيف يكلف من قوتهم السمك أو الذرة أو الأرز أن يدفعوا تمرا ولا يجدونه، وأما حكمة التقييد بصاع من تمر فلأنه كان غالب قوت أهل المدينة والعرب عموما1.
وكان رد الحنفية لحديث المصراة لسببين:
أحدهما: أنه من رواية أبي هريرة وهو غير فقيه فيما يزعمون، وأجاب الجمهور عن هذا بأن الحديث قد جاء من رواية ابن عمر من طريقين رواه أبو داود بطريق والطبراني بآخر، ومن رواية أنس أخرجه أبو يعلى.
ومن رواية عمرو بن عوف أخرجه البيهقي في الخلافيات، وقد ثبت عن ابن مسعود موقوفا عليه كما في صحيح البخاري، والموقوف في مثل ذلك له حكم الرفع لتصريحهم بأنه مخالف للقياس، والموقوف المخالف للقياس مرفوع حكما.
وابن مسعود من أجلاء الفقهاء بالاتفاق، وقولهم أبو هريرة غير فقيه قول ساقط فقد ذكروه في فقهاء الصحابة وذكروا أنه كان يفتي في عهدهم ومن تتبع كتب الحديث يجده حقا بلا ريب، على أن المدار في قبول الحديث إنما هو على حفظ الراوي وأمانته، وأبو هريرة أحفظ الصحابة للحديث على الإطلاق، وقد دعا له صلى الله عليه وسلم بالحفظ فكان أجود الرواة حفظا، وأوثقهم نقلا، فالطعن في روايته من ضعف العلم والإيمان.
ثانيهما: أنه يخالف أصول الشريعة كما يخالف القياس الجلي من وجوه:
1- منها أنه تضمن رد البيع بلا عيب ولا خلف في صفة.
2- ومنها أنه معارض بحديث " الخراج بالضمان " فاللبن الذي يحدث عند المشتري غير مضمون عليه وقد ضمنه إياه.
3- ومنها أن اللبن من ذوات الأمثال وقد ضمنه إياه بغير مثله.
4- ومنها أنه إذا تعذر التضمين بالمثل كان الضمان بالقيمة والتمر ليس بمثل ولا قيمة.
5- ومنها أن المال المضمون إنما يضمن بقدره في القلة والكثرة وقد قدر الضمان هاهنا بصاع القليل والكثير.
__________
1 إعلام الموقعين جـ3 ص 13.

الصفحة 139