كتاب الحيل

والإسناد الثاني: يبين أن للحديث أصلا محفوظا عن ابن عمر، فإن عطاء الخراساني ثقة مشهور، وحيوة بن شريح كذلك وأفضل، وأما إسحاق أبو عبد الرحمن فشيخ روى عنه أئمة المصريين مثل حيوة بن شريح والليث بن سعد ويحيى بن أيوب وغيرهم. قال: وقد روينا من طريق ثالث من حديث السري بن سهل الجندسابوري بإسناد مشهور إليه حدثنا عبد الله بن رشيد حدثنا عبد الرحمن بن محمد عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال: لقد أتى علينا زمان وما منا رجل يرى أنه أحق بديناره وبدرهمه من أخيه المسلم، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتركوا الجهاد، واتبعوا أذناب البقر، أدخل الله عليهم ذلا لا ينزعه حتى يتوبوا ويراجعوا دينهم " وهذا يبين أن للحديث أصلا عن عطاء، اه1.
والحديث يدل على تحريم بيع العينة، وأنه من الكبائر، كما يدل على أن ما ذكر قبلها وبعدها كذلك لأنه قد جعل ذلك خروجا عن الدين، ورتب عليه الذل والصغار حتى يحدثوا توبة ويراجعوا دينهم.
ويرد على دلالة الحديث على التحريم أمران:
أولهما: أنه قرن العينة بالأخذ بأذناب البقر، والاشتغال بالزرع، وذلك غير محرم.
والثاني: أنه توعد على ذلك بالذل وهو لا يدل على التحريم.
ويدفع هذا بأن الأول غير مسلم إذ الحديث محمول على الاشتغال بالزرع على وجه يؤدي إلى التهاون في أمر الجهاد وذلك من أكبر الكبائر.
والثاني غير مسلم أيضا لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فطلب أسباب العزة وتجنب أسباب الذلة من لوازم الإيمان ومقتضياته، والتوعد بالذل ظاهر ظهورا بينا في التحريم، وهو لا يكون إلا لذنب عظيم، لذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاعل لما يوجب المذلة من الأمور المذكورة في الحديث بمنزلة الخارج عن الدين الناكص على عقبه.
ثانيا: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم وامرأة أخرى، فقالت لها أم ولد زيد: " إني بعت من زيد غلاماً بثمانمائة درهم نسيئة، واشتريته بستمائة نقدا "، فقالت: " أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، بئس ما اشتريت، وبئس ما شريت ".
__________
1 إقامة الدليل ص 133.

الصفحة 143