كتاب الحيل

قال عبد الهادي: " إسناده جيد "، وعزاه في منتقى الأخبار إلى الدارقطني أيضا ورواه حرب الكرماني من حديث إسرائيل حدثني أبو إسحاق عن جدته العالية (يعني جدة إسرائيل فإنه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، والعالية امرأة أبي إسحاق وجدة إسرائيل بن يونس) قالت: دخلتُ على عائشة في نسوة فقالت: " ما حاجتكن "، فكان أول من سألها أم محبة فقالت: " يا أم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم؟ "، قالت: " نعم "، قالت: " فإني بعته جارية بثمانمائة درهم إلى العطاء، وأنه أراد بيعها فابتعتها بستمائة درهم نقدا، فأقبلت عليها وهي غضبى " فقالت: " بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيد أنه قد أبطل جهاده إلا أن يتوب "، وأفحمت صاحبتنا فلم تتكلم طويلا، ثم أنه سهل عليها، فقالت: " يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي فتلت عليها {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله} (البقرة: من الآية275) .
قال الشوكاني في نيل الأوطار: " فيه دليل على أنه لا يجوز لمن باع شيئا بثمنه نسيئة أن يشتريه من المشتري بدون ذلك الثمن نقدا قبل قبض الثمن الأول، أما إذا كان المقصود التحيل لأخذ النقد في الحال ورد أكثر منه بعد أمد فلا شك أن ذلك من الربا المحرم الذي لا ينفع في تحليله الحيل الباطلة قال: والصورة المذكورة هي صورة ببع العينة قال: وليس في حديث الباب - يريد به حديث عائشة رضى الله عنها - ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا البيع، ولكن تصريح عائشة بأن هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنها قد علمت تحريم ذلك بنص عن الشارع، إما على جهة العموم كالأحاديث القاضية بتحريم الربا الشامل لمثل هذه الصورة، أو على جهة الخصوص كحديث العينة، ولا ينبغي أن يظن بها أنها قالت المقالة من دون أن تعلم بدليل يدل على التحريم، لأن مخالفة الصحابي لصحابي آخر لا يكون من الموجبات للإحباط، اه "1.
وقال الإمام القرافي رحمه الله في الفرق الرابع والتسعين بعد المائة من كتابه (الفروق) : " وهذا التغليظ العظيم لا تقوله رضى الله عنها إلا عن توقيف، فتكون هذه الذرائع واجبة المنع وهو المطلوب.
فإن قيل زيد بن أرقم من خيار الصحابة والصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول وسادة أتقياء.
فكيف يليق به فعل ما يقال فيه ذلك؟ الجواب: قال صاحب المقدمات أبو الوليد بن
__________
1 جـ 5 ص175.

الصفحة 144