كتاب الحيل

رشد: هذه المبايعة كانت بين أم ولد زيد بن أرقم ومولاته قبل العتق، فيتخرج قول عائشة رضي الله عنها على تحريم الربا بين السيد وعبده مع القول بتحريم هذه الذرائع، ولعل زيد بن أرقم لا يعتقد تحريم الربا بين السيد وعبده، قال: ولا يحل لمسلم أن يعتقد في زيد أنه واطأ أم ولده على شراء الذهب بالذهب متفاضلا إلى أجل.
فإن قيل: إذا قلنا بالتحريم على رأى عائشة رضي الله عنها فما معنى إحباط الجهاد، وإحباط الأعمال لا يكون إلا بالشرك.
الجواب: أن الإحباط إحباطان: إحباط إسقاط، وهو إحباط الكفر للأعمال الصالحة، فلا يفيد شيء منها معه.
وإحباط موازنة، وهو وزن العمل الصالح بالسيء، فإن رجح الشيء فأمه هاويه أو الصالح فهو في عيشة راضية، كلاهما معتبر غير أنه يعتبر أحدهما بالآخر، ومع الكفر لا عبرة البتة بالأعمال الصالحة فالإحباط في الأثر إحباط موازنة.
بقي سؤال وهو: كيف يحيط هذا الفعل جملة ثواب الجهاد؟ قلت: له معنيان:
أحدهما: أن المراد المبالغة في الانكار لا الحقيقة.
ثانيهما: أن مجموع الثواب المتحصل من الجهاد ليس باقيا بعد هذه السيئة، بل بعضه فيكون الإحباط في المجموع من حيث هو مجموع. وظاهر الإحباط والتوبة أنه معصية إما بترك التعلم لحال هذا العقد قبل القدوم عليه لأنه اجتهد فيه ورأت أن اجتهاده مما يجب نقضه وعدم إقراره فلا يكون حجة له، أو هو ممن يقتدى به فخشيت أن يقتدي به الناس فينفتح باب الربا بسببه، فيكون ذلك في صحيفته فيعظم الإحباط في حقه.
ومن هذا الباب في الإحباط قوله عليه الصلاة والسلام: " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " أي بالموازنة، اهـ1.
نقض مطاعن ابن حزم في حديث عائشة:
وقد طعن ابن حزم في حديث عائشة هذا حيث قال في المحلى2: " فأما خبر امرأة أبي سفيان ففاسد جدا لوجوه:
أولها: أن امرأة أبي سفيان مجهولة الحال.
__________
1 الفروق جـ 3 ص 267-268.
2 المحلى جـ 9 ص 49-50.

الصفحة 145