كتاب الحيل

الثاني: أن امرأة أبي سفيان لم تسمعه من أم المؤمنين عائشة، وإنما روته عن امرأة أبي السفر، وهي التي باعت من زيد وهي أم ولد زيد، وهي في الجهالة أشد وأقوى من امرأة أبي إسحاق، ويدل لذلك ما رواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته قالت: سمعت امرأة أبي السفر تقول: سألت عائشة أم المؤمنين وذكرت القصة.
الثالث: أنه لا يمكن أن تقول عائشة: أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب، وزيد لم يفته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غزوتان فقط أحد وبدر، وأنفق من قبل الفتح وقاتل، وشهد بيعة الرضوان تحت الشجرة بالحديبية، ونزل فيه القرآن: {لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة} (الفتح: من الآية18) فو الله ما يبطل هذا كله ذنب من الذنوب غير الردة عن الإسلام فقط وقد أعاذه الله تعالى برضاه عنه.
الرابع: لو صح أن زيدا أتى أعظم الذنوب من الربا الصريح وهو لا يدري أنه حرام لكان مأجورا في ذلك أجرا واحدا غير آثم، فكيف يظن بأم المؤمنين إبطال جهاد زيد بن أرقم في شيء عمله مجتهدا فيه.
قال: فهذه أربعة أوجه في بطلان هذا الخبر، ثم لو صح ما كان لهم حجة لأن قول عائشة ليس أولى من قول زيد، وإن كانت أفضل منه إذا تنازعا، انتهى كلامه باختصار.
وقد مربك من الآثار، وأقوال العلماء، ما ينقض هذه الشبهة التي أوردها ابن حزم على حديث عائشة، وجاء في إقامة الدليل لابن تيمية، وفي إعلام الموقعين لابن القيم، ما تنهار به هذه الشبهة أيضا ولا بأس أن نذكر لك خلاصة ما قاله هذان الإمامان الجليلان في هذا الموضوع: (حديث عائشة وأم ولد زيد بن أرقم حديث في إسناده شعبة، وإذا كان شعبة في إسناده حديث فاشدد يديك به، فمن جعل شعبة بينه وبين الله فقد استوثق لدينه، -وأيضا فهذه امرأة أبي إسحاق وهو أحد أئمة الإسلام الكبار وهو أعلم بامرأته وبعدالتها، فلم يكن ليروي عنها سنة يحرم بها على الأمة وهي عنده غير ثقة ولا يتكلم فيها بكلمة، بل يحابيها في دين الله، هذا لا يظن بمن هو دون أبي سفيان- وأيضا فإن هذه امرأة من التابعين قد دخلت على عائشة وسمعت منها وروت عنها، ولا يعرف أحد قدح فيها بكلمة، وأيضا فإن كلاً من الكذب والفسق لم يكن ظاهرا في التابعين بحيث ترد به روايتهم، وأيضا فإن هذه المرأة معروفة واسمها العالية وهي جدة إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وامرأة أبي إسحاق، وقد حملا عنها هذه السنة، وإسرائيل أعلم بجدته، وأبو إسحاق أعلم بامرأته،

الصفحة 146