كتاب الحيل

على صورها وأسمائها، والوجدان شاهد بذلك، فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها، مع تضمنه لمخادعة الله ورسوله، ونسبة المكر والخداع والغش والنفاق، إلى شرعه ودينه، وأنه يحرم الشيء لمفسدة ثم يبيحه لأعظم منها، ولهذا قال أيوب السختياني " يخادعون الله كما يخدعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون "1.
9- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمراً أن فلانا باع خمراً، فقال: قاتل الله فلانا، ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها " 2.
وجه الدلالة من الحديث على تحريم الحيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن اليهود كما في الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما3، وذلك لاستحلالهم ما حرم الله عليهم بحيلة ظاهرها أنهم انتفعوا بالشحم فجملوه وقصدوا بذلك أن يزول عنه اسم الشحم ثم انتفعوا بثمنه بعد ذلك لا بما أذيب من الشحم وصار ودكا لئلا يحصل الانتفاع بما كان أصله حراما مبالغة منهم في البعد عن الحرام بطريق الحيلة، ومع خروجهم بهذه الحيلة من ظاهر التحريم من هذين الوجهين فقد لعنهم الله عز وجل ولعنهم رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا الاستحلال نظرا إلى المقصود الذي أرادوه، فإن ما حكمه التحريم لا يختلف المائع منه عن الجامد، والبدل يأخذ حكم المبدل.
قال الخطابي في معالم السنن: " في هذا الحديث بيان بطلان كل حيلة يحتال بها للتوصل إلى المحرم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه "4.
وقال ابن حجر في الفتح: " وفيه إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم "5.
ويكفي هذا القدر من الأحاديث الدالة على تحريم الحيل، فقصدنا ضرب الأمثلة
__________
1 انظر إقامة الدليل ص134، إعلام الموقعين جـ 3 ص 166.
2 صحيح البخاري جـ3 ص 91، صحيح مسلم جـ 3 ص 41.
3 الفتح الرباني جـ15 ص 27.
4 معالم السنن جـ3 ص 133.
5 فتح الباري جـ 4 ص282.

الصفحة 150