كتاب رسالة في تحقيق معنى النظم والصياغة

ثم ينتهي إلى القول/ س 99 ب/: " ومن هنا انكشف لك سرّ وهو أن الاختلاف في كيفية الدلالة غير منحصر في طريق المجاز والكناية كما توهمه صاحب المفتاح حيث قال: انصباب علم البيان إلى التعرض للمجاز والكناية بناء على ما قدمه من أن التفاوت في الدلالة إنما يكون بالدلالة العقلية وذلك بالطريقين المذكورين لأن قوله (يَسُبني) في الوجهين المزبورين على حقيقته. والتفاوت المذكور في الدلالة مرجعه إلى المعنى النحوي، لا إلى المعنى اللغوي. فافهم هذا السر الدقيق، فإنه بالحفظ حقيق ".
على أنه فيما يكشف عنه من سر مسبوق بما قاله الجرجاني -سلفه- حيث يقول في (الدلائل، ص 240) : ".. ومرادهم من النظم في أمثال هذا المقام توخي معاني النحو فيما بين الكلام حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام، والنظم بهذا المعنى، أسُّ البلاغة، وأمّ الإعجاز ".
ولعل هذه الرسالة في مضمونها جاءت مكملة لما سبق لابن كمال دراسته في مجموعة من الرسائل في هذا الباب وهي: (الكلمة المفردة) و (اللفظ قد يوضع لقيد) و (المزايا والخواص) و (مشاركة صاحب المعاني اللغوي في البحث عن مفردات الألفاظ المستعملة في كلام العرب) 1.
ويدعو ابن كمال في دراساته هذه إلى تجديد الدرس اللغوي وإحياء آراء عبد القاهر الجرجاني، والتي ليس بينها وبين المعاصرة فاصل كبير، وهي تأتي في زمن هيمن فيه (مفتاح العلوم) لأبي يعقوب السكاكي (ت 626 هـ) ، ونظمه، وشروحه، وتلخيصاته.. فكانت محاولة للخروج من التأثر بالمنطق والفلسفة والعلوم العقلية إلى فهم روح البلاغة، وإثراء الإحساس في تذوق النص الأدبي، ووضع البلاغة والنحو وضعا سليما في خدمة اللسان العربي. وإنما تقوم اللغة بمجموعة العلاقات بين الدلالات ورموز المعاني المتمثلة في الألفاظ لأداء ما في النفس.
وليس للفظ المفرد أهمية ذاتية مهما بلغ من انسجام في حروفه، وحسن وقعه وجرسه، وإنما تبدو أهميته حين ينتظم مع غيره، ويتلاءم مع ما يجاوره ويتوافق معه.. والأداء العربي لا يمكن أن يتحقق إلا لمن كان عارفا بالطرائق الصحيحة في القول، متمرسا بالأساليب العربية الرفيعة، مزودا بالمعرفة النحوية عن طريق الذوق والمعايشة لما تزخر به العربية من روائع القول.
__________
1 حقق الباحث بعض هذه الرسائل، وقد أفاد منها في تحقيق هذه الرسالة ودراستها.

الصفحة 178