كتاب أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر (اسم الجزء: 71-72)

(الشورى: من الآية13) .
{إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} 1. وهذا نهي عن التفرق فغنما هلك من هلك بسبب الفرقة وكثرة الجدل، والخصومات في دين الله عز وجل2.
ولا ريب أن من يتابع أحوال المسلمين اليوم وما هم فيه من الفرقة والخلاف يعتريه قلق شديد علىمصير مئات الملايين من أبناء الأمة الإسلامية إذا لم يعتصموا بحبل الله المتين الكتاب والسنة. والأخطار محدقة بهم، ودعاة الهدم والضلال يزدادون يوما بعد يوم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يصور الأمور لأمته أبدع تصوير ويجليها بضرب الأمثال، ويدلل عليها بإقامة المثال، قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثني أبي، ثنا الحسن بن سوار أبو العلاء3، ثنا ليث يعني ابن سعد4، عن معاوية بن صالح5، أن عبد الرحمن بن جبير6 حدثه، عن أبيه7، عن النواس بن سمعان8 الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا (ولا تتفرقوا) 9 وداع يدعو من جوف الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران حدود الله تعالى، والأبواب المفتحة محارم الله تعالى، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله عز وجل، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم"10. فلو تأمل المسلمون كتاب ربهم ودرسوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم لما كثر دعاة الضلال، ولما قويت دعوات الطوائف أعداء الأمة المحمدية الذين لا يفتئون يفتون في عضد الوحدة الإسلامية، ولما تفتحت أبواب البدع، والخرافات، وتنوعت أشكال الشعارات المزيفة، التي أصبح لها الأثر البالغ في غواية الشباب، وشحن الأفكار باتباع الأهواء، والإنزلاق في الشهوات بجميع أصنافها دون أدنى
__________
1 الآية 13 من الشورى.
2 انظر كلام ابن كثير 2/190.
3 صدوق، مات سنة ست عشرة ومائتين.
4 المصري، أبو الحارث، ثقة، ثبت، فقيه، مات سنة خمس وسبعين ومائة.
5 قاضي الأندلس، صدوق له أوهامروى له مسلم، مات سنة ثمان خمسين ومائة.
6 ابن نفير، ثقة، مات سنة ثمان عشرة ومائة.
7 جبير بن نفير، ثقة، جليل، ولأبيه صحبة، مات سنة ثمانين.
8 صحابي، قيل وفد على النبي صلى الله عليه وسلم. انظر (أسد الغابة 5/45) .
9 في المسند (تتفرجو) وصوابه ما أثبتناه.
10 المسند 4/182.

الصفحة 37