كتاب موارد الإمام البيهقي في كتابه السنن الكبرى

السّنة وتطور ذَلِك، وَهِي نُصُوص هَامة فِي هَذَا الْمَوْضُوع لقدمها ودلالاتها1.
وَقد حفظ لنا البيهقيُّ نصوصاً هَامة أُخْرَى عَن طَرِيق السماع الشخصي من كبار مشايخه، فسجَّل لنا جملَة مِنْهَا، قد لَا نجدها فِي مصنَّف مدوَّن2.
وَمن مظَاهر التَّوَسُّع المعرفي وَالْإِضَافَة إِلَيْهَا اسْتِيعَاب الْبَيْهَقِيّ لمواد جملَة كَبِيرَة من موارده الهامة مَعَ الْقيام بنقدها، وإلحاق الشواهد والمتابعات بهَا - إنْ كَانَت هَذِه الْمَوَارِد قد اشْترطت الصِّحَّة فِي منهجها كالصحيحين والمستخرجات عَلَيْهِمَا - وَإِن لم تشْتَرط ذَلِك قَامَ بِإِضَافَة التقويمات النقدية الْمُنَاسبَة لكل نَص من نصوصها فِي الْغَالِب الْأَعَمّ من منهجه. فنراه قد اقتبس من الصَّحِيحَيْنِ مَا يَرْبُو على (7000) حَدِيث من طَرِيقه وَأَسَانِيده الْخَاصَّة بِهِ، أَي إِنَّه استوفى مَجْمُوع متون الصَّحِيحَيْنِ فِي كِتَابه. وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ لسنن أبي دَاوُد الَّذِي اقتبس مِنْهُ مَا يقرب من ألفي حَدِيث، ومسند ابْن وهب الَّذِي اقتبس مِنْهُ (1313) رِوَايَة، واقتبس من "سنَن الدَّارَقُطْنِيّ" (758) رِوَايَة، وموطأ مَالك (386) رِوَايَة، وَسنَن ابْن الْأَعرَابِي (642) رِوَايَة، ومسند الصفار (1407) من الرِّوَايَات، وَسنَن الشَّافِعِي وَغَيرهَا من مصنفاته (1704) من الرِّوَايَات، والكامل لِابْنِ عدي (348) اقتباساً، وَغير ذَلِك من الاقتباسات الْكَثِيرَة، وَهَذِه الأرقام لَا تعْتَبر نهائية فِي مِقْدَار مَا اقتبس الْبَيْهَقِيّ من هَذِه الْمَوَارِد فِي حُدُود "السّنَن الْكُبْرَى" فَإِنَّمَا ذكرتُ حصيلة مَا رَوَاهُ عَن شيخ وَاحِد مِمَّن أَكثر عَنهُ فِي الاقتباس من أحد هَذِه الْمَوَارِد، وَهُنَاكَ الْكثير مِنْهَا قد تلقَّاه عَن أَكثر من طَرِيق، وَلَو جَمعنَا هَذِه الطّرق لقفز الْعدَد الْجملِي إِلَى أَكثر من ذَلِك بِكَثِير.
أما اسْتِعْمَال الْمنْهَج النقدي فِي التَّعَامُل مَعَ هَذِه الْمَوَارِد فَهُوَ من الوفرة والوضوح بِحَيْثُ يَجعله من أساسيات مَنْهَج الْبَيْهَقِيّ فِي التَّعَامُل مَعَ موارده. وَقد أثمر ذَلِك الآلاف من الملاحظات وَالْأَحْكَام النقدية فِي الْمُتُون والأسانيد، وَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَة مَا ذَكرْنَاهُ فِي مَوَاضِع أُخْرَى من هَذِه الدراسة، فقد تحدثنا عَنهُ فِي المبحث السَّابِق3 كَمَا أفردنا بَابا مُسْتقِلّا لدراسة صناعته النقدية أشبعنا فِيهِ الحَدِيث عَن هَذَا الْجَانِب الْهَام4. كَمَا أَن الانطباع تمثلت فِي كَثْرَة كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل، وتواريخ الرِّجَال، وسؤالات الْمُحدثين لكبار النقاد عَن مَرَاتِب الروَاة. الَّذِي يتكوّن عِنْد الدارس من خلال نظره فِي قَائِمَة الْمَوَارِد هُوَ مِقْدَار عناية الْبَيْهَقِيّ بموارد النَّقْد، الَّتِي
__________
1 انْظُر الْمصدر السَّابِق: 4/86 5/85، 89، 93، 134، 9/343، 357، 10/ 281.
2 انْظُر الْبَيْهَقِيّ السّنَن الْكُبْرَى: 2/74، 368.
3 انْظُر مَنْهَج السّنَن وخصائصها.
4 انْظُر. الْبَاب الرَّابِع، وَنقد الْمَوَارِد فِي الملحق الثَّانِي من هَذِه الدراسة.

الصفحة 87