كتاب موارد الإمام البيهقي في كتابه السنن الكبرى

بشكل عَام فَقَالَ: "وبورك لَهُ فِي علمه، وصنف التصانيف النافعة، وَلم يكن عِنْده (سنَن النَّسَائِيّ) وَلَا (سنَن ابْن ماجة) ، وَلَا (جَامع أبي عِيسَى) ، بلَى عِنْده عَن الْحَاكِم وقر بعير أَو نَحْو ذَلِك، وَعِنْده (سنَن أبي دَاوُد) عَالِيا"1. وَقد تَابع الذهبيَّ جمعٌ من المؤرخين فِي ترديد هَذِه الْمَسْأَلَة، مِنْهُم السبكيُّ2 والصفدي3، وَزَاد الصَّفَدِي: "بأنَّ دائرته فِي الحَدِيث لَيست كَبِيرَة".
وَهَذِه الْمقَالة غَرِيبَة جدا، والأغرب مِنْهَا صدورها عَن الْحَافِظ الْمُحَقق الإِمام الذَّهَبِيّ، الَّذِي هُوَ أدرى النَّاس بموارد الْبَيْهَقِيّ وسعتها بِاعْتِبَارِهِ قَامَ بتهذيب السّنَن الْكُبْرَى وَغَيرهَا من كتب الْبَيْهَقِيّ. وَلَكِن لَا بَأْس من أَن نناقشها بِالدَّلِيلِ والمنطق فلعلّ الذَّهَبِيّ قد قَالَهَا قَدِيما وَذَلِكَ قبل أَن يعرف موارد الْبَيْهَقِيّ بشكل دَقِيق.
وأحبُّ أنْ أقولَ أَولا: إنَّ عدم توفر بضع كتب من الْأُمَّهَات لَا يقْدَح فِي سَعَة دائرته، وَكَثْرَة موارده، فقد تكون مواد هَذِه الْكتب قد توفرت لَدَيْهِ من طرق أُخْرَى فِي مصنفات مُخْتَلفَة وبأسانيد أَعلَى فيستعيض بهَا عَن تِلْكَ. وَهَذَا الْكَلَام ينطبق تَمامًا على قَضِيَّتنَا، فقد توفر للبيهقي صَحِيح البُخَارِيّ، وَمُسلم، وصحيح أَحْمد بن سَلمَة، وَابْن خُزَيْمَة، وَأبي عوَانَة، وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَسنَن أبي دَاوُد السجسْتانِي، وَسنَن ابْن جريج، والوليد بن مُسلم الْأمَوِي، وَسَعِيد بن مَنْصُور، وحرملة الْمصْرِيّ، والكَجي، ويوسف الْبَغْدَادِيّ، وَعلي الْمصْرِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَعِشْرُونَ مُسْندًا من المسانيد الجامعة الحافلة4 وَغير ذَلِك من المعاجم والمصنفات. إِلَّا أنني ذكرت هَذِه الصِّحَاح وَالسّنَن بأسمائها باعتبارها مرتبَة على نظام الْكتاب وَالْبَاب.
وَلَو أننا استثنينا "سنَن ابْن ماجة" لِقِلَّةِ خطورته، وَضعف العديد من أَحَادِيثه. أَقُول: لَو أننا استثنينا هَذِه السّنَن لبقيت الشُّبْهَة محصورة فِي حُدُود كتابين هامين من الْكتب السِّتَّة وهما: "سنَن النَّسَائِيّ" و"جَامع التِّرْمِذِيّ". فَإِن هذَيْن الْكِتَابَيْنِ لم يحصل الْبَيْهَقِيّ على حق الرِّوَايَة والتحديث عَنْهُمَا لأسباب نجهلها، ولعلّه لم يتَمَكَّن من سماعهما بِإِسْنَاد عَال فعَدَلَ عَنْهُمَا لوُجُود مادتهما فِي بَقِيَّة الْكتب الموسَّعة الَّتِي تربو على الْمِائَة، وَالَّتِي يملك حق رِوَايَتهَا بِصُورَة شَرْعِيَّة. وَلَيْسَ معنى ذَلِك أَن نقُول كَمَا قَالَ الإمامُ الذهبيُّ: "وَلم يكن عِنْده "سنَن
__________
1 الذَّهَبِيّ سير النبلاء: 18/ 165، وَانْظُر تذكرة الْحفاظ: 3/1132.
2 انْظُر السُّبْكِيّ طَبَقَات الشَّافِعِيَّة: 3/3.
3 انْظُر الصَّفَدِي الوافي بالوفيات: 5/354.
4 انْظُر قَائِمَة الْمَوَارِد.

الصفحة 89