كتاب ألفية ابن مالك منهجها وشروحها (اسم الجزء: 73-74)

أو إلى قول بعض المغاربة:.
لقد مَزَّقتْ قلبي سِهامُ جُفونها ... كما مَزَّق اللخميُّ مذهبَ مالكِ
وصال على الأوصال بالقَدِّ قَدُّها ... فأضحت كأبيات بتقطيع مالكِ
وقُلِّدْتُ إذْ ذاك الهوى لمرادها ... كتقليد أعلام النحاة ابْنِ مالك
وملكتها رقّي لرقّة لفظِها ... وإن كنت لا أَرضاه مِلْكا لمالك
وناديتها: يا مُنْيتي، بَذْل مُهْجتي ... ومالي قليلٌ في بديع جمالكِ i
ولا يمكن أن يكون هذا الإِعجاب وليد التعصب، أو الجهل؛ فالرجل قد مات، ولا نسب بينهم ولا خُلّة، ولكن كما قيل:
والناسُ أكيسُ من أن يمدحوا رجُلاً ... ما لم يَرَوْا عنده آثار إحسانii
وآثار الجودة في الألفية واضحةٌ جليّة؛ فهي التي حركت همة الصفوة إلى شرحها، وأذكت في المخلصين منهم روح التنافس والوفاء؛ فكثرت بذلك شروحها، وتنوعت حواشيها، فقد تخطت شروحها المائة بكثير، وقلما تجرد شرح من حاشية أو تعليق، ومغنم الجميع من تلك الجهود، إنما هو إعلاء كلمة الله؛ فحيث تكون العربية يكون الإِسلام، وحيث يكون الإسلام، يكون الأمن والسلام!.
__________
iالأبيات من الطويل، واللام في "لقد": واقعة في جواب قسم محذوف. و"مَرّقت" بالتشديد شقّقت. و"السهام" جمع سهم، وهو عود من الخشب يسوّى في طرفه نَصْلُ يرمى به عن القوس و"الجفون" جمع جَفْن، وهو غطاء العين من أعلاها وأسفلها.
والمراد ب "اللخمي" هنا: أبو الحسن على بن محمد الربعي القيرواني، المتوفى سنة 498 هـ، وكان رحمه الله فقيها دينا فاضلا مفننا، ذا حظ من الأدب، وله تعليق كبير على "المدونة" في الفقه المالكي، سماه "التبصرة"، وهو مفيد حسن إلا أنه اختار فيه وخرَّج، فخرجت اختياراته عن المذهب؟ ومن ثمة نسبة إليه تمزيقه.
و"صال": سطا، و"الأوصال": جمع وصل، وهو المفصل، أو مجتمع العظام. و"قلدت": ألزمت وكلفت. و"التقليد": التفويض والإلزام. و"لقد": القطع. و"قدها": قامتها أو قوامها. و"مالك" في الأول: إمام دار الهجرة وعالمها، المتوفى سنة 179هـ وفي الثاني: مالك بن المرحل السبتي المتوفى سنة 699هـ وفي الثالث: جد الناظم رحمه الله، وفى الرابع: الحائز والمتفرد بالتصرف، فانتفى بذلك الإيطاء في هذه الأبيات.
و"المنية" البغية، وما يحرص عليه الإنسان. و"المهجة": الروح، ودم القلب. و"بديع جمالك": حسنك الفائق، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف. و"بذل مهجتي": مبتدأ حذف خبره جوازا، والتقدير: "بذل مهجتي لك "، والواو في "ومالي": حالية، و"مالي" مبتدأ. خبره "قليل"، و"في بديع جمالك" متعلق به.
الديباج المذهب في أعيان المذهب المالكي لابن فرحون المتوفى سنة 799 م، ص 203، الطبعة الأولى، والأعلام للزركلي ج4 328، ونفح الطيب ج 2 ص 232-233، ومقدمة الألفية ص 14.
ii البيت من البسيط، و"أكيس": اسم تفضيل من الكياسة، وهي تمكن النفس من استنباط ما هو أنفع. و"الإحسان" الإتقان، وفعل ما هو حسن. و"آثار الإحسان": علاماته- فتح المالك للسلطاني الجزائري ج1 ص 3.

الصفحة 172