كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

وأصبح الصباح وحاءت صحيفة الأهرام في يوم الجمعة الثاني من رجب سنة 1384 فبينا أن أقبلها خدعتني عيني وقرأت هذا اعنوان على هامش العفران شيء من التاريخ وإلى جواره ما نصه مكتوبا بالخط النسخ محفورا على الزنك مطبوعا على الورق وسأنقله مضبوطا كما نشر بخطئه:
صَلِيَتْ جَمْرَةَ الهَجِير نهارًا ... ثُمَّ بَاتَتْ تَغُصُّ بالصُّلْبَانِ
"سقط الزند" في وصف حلب
أَعُبَّادَ المَسِيحِ يَخَافُ صَحْبِي ... ونحن عبيدُ مَنْ خَلَقَ المسيحا؟
"سقط الزند" في الحروب الصليبية
فمن فوري أيقنت أن المسكين قد عاودته "المانيا هَلُّو سيناتوريَا" وأطبقت عليه وخف على قلبي جدا مرة أخرى بعد الثقل وعاودتني ذكرى "بلوتولند" وقصائد أخرى وانفجر صدري بالضحك وأنا وحدي وأقيت الصحيفة وتركت نفسي على سحبيتها غير محتشم وإذا أم فهلا على رأسي تنظر إلى متعجبة وتدعو لي بالسلامة وتعودني برب الفلق من شر ما خلق وبرب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس فكفكفت ما استشرى من ضحكي على عجل مخافة أن تنظر إلى بغير العين التي ألفت أن تراني بها ولكني كنت امرءا نهما يأخذه للكلام المكتوب سعار فتناولت الصحيفة وبدأت أقرأ سطربعد سطر وكان الضحك يشق عن خلقي ويباعد بين فكي حتى فوجئت بشيء أمسك على ضحكي وكظمه في بلعومي شيء سمعت حس دبيبه من تحت الألفاظ، فجعلت أستسمعه فإذا هو:
كَشِيش أفعى أجمعت لعض
فهي تحك بعضها ببعض
وإذا أسود سالخ (وهو أقتل ما يكون من الحيات) يمشي بين الألفاظ فيسمع لجلده حفيف ولأنيابه جرش فما زلت أنحدر مع الأسطر والصوت يعلو يخالطه فحيح ثم ضباح ثم صفير ثم نباح (وكلها من أصوات الأفاعي)،

الصفحة 10