وصحيفة الأهرام وغير صحيفة الأهرام تحمل هذا العبء لأنها هي الناطقة بلسان العرب اليوم والداعية إلى توحيد أمة العرب أمة واحدة وهذه تبعة يحتاج حاملها إلى ترك التساهل في الصغائر لما ظنك بالكبائر وإلى الدقة والحذر في كل جرف ينشر في الصحيفة لأن أثره بليغ نافذ في نفوس الآلاف المؤلفة في هذه الرقعة من الأرض المتراحبة الأرجاء وهم بين صغير يتلقف ما يلقي إليه بتسليم المتعلم لأستاذه وكبير ينظر فيحسن النظر أحيانا ويسئ النظر أحيانا أخرى فيرضى وينكر فيكون لرضاه أثر حسن ينقله إلى من يتلقى عنه ولسخطه أثر سيء يوحي به إلى من يأخذ عنه والآثار المترتبة على الرضى والسخط لا تقف عند حد لنها تنتهي دائما إلى تكوين رأي يتنأول أدنى العلائق الإنسانية في حياتنا اليومية إلى أعلى الروابط في حياتنا السياسية وهذا شيء مخوف العواقب مفزع لأنا لا ندري أين يقع الرضى وأين يقع السخط في رقعة ممتدة من شمال بعيد إلى جنوب قصى ومن شرق نازح إلى غرب متباعد ولا ندري أيضا من الذي يحمل قلبه الرضى وما منزلته في الناس وأثره فيهم ومن الذي يطوي جوانحه على سخط وما مكانه في الناس وتأثيره فيهم ولا ندري أيضا متى يكون الرضى سببا من أسباب توثيق علائق هذه الملايين بعضها ببعض ومتى يكون السخط عاملا في فصم هذه المعرى وتمزيق علائقها شيئا بعد شيء فكل ما يؤدي إلى هذه البلبلة المخوفة على هذا المستوى ينبغي أن يتوفاه كل حامل تبعه وكلنا اليوم حامل تبعة في وقت تحتاج فيه هذه الأمة إلى إعادة تكوين وحدة شاملة كانت ثم مزقتها سياسة عدو شديد العداوة بالمكر والبطش في القرنين الأخيرين.
هذه هي التبعة حيال كبير يحسن النظر أو يسئ أما الصغير الناشئ فالأمر فيه أخطر وهو عليه أشد وبالا لأنه يتعلق بتكوين نفسه وعقله وإرادته وبالمرجو فيه إذا كبر واشتد وصار أهلا للنظر وقادرا على التأثير والصحيفة والملعم كلاهما عوض عن ثدي أمه فإنه يرتضع منهما مادة بنائه العقلي والنفسي فإذا تلقى سوء النظر وفساد التفكير وخطل الرأي فإنما يتلقى سموما لا يكاد يبرأ من عقابيلها ما عاش فإذا فوجئ في خلال ذلك التكوين وهذا شيء لا مفر منه بما يصادم ما تلقاه اندلعت في كيانه بلبلة أشد من زلازل الأرض فلا يكاد ينجو من آثار