التعليم. فحال جهل محمد عليّ وحبه للعظمة، بينه وبين إدراك مقاصد هؤلاء الغزاة المتربصين في توجيه التعليم إلى جهة غير صحيحة ولا نافعة فلم يكن للغة البلاد نصيب مما ظنه محمد على ارتقاء بالبلاد وبتعليمها وكذلك حدثت أول فجوة بين التعليم ولغة التعليم.
ثم أرسلت البعثات إلى فرنسا سنة 1242 هجرية 1826 م فكان ممن رافق هذه البعثات العلمية شاب في الخامسة والعشرين من عمره كان ممن تلقى علومه في الأزهر ليكون لهم إماما ببجده واجتهاده تعلم الفرنسية وقرأ بها ما شاء الله من الكتب وكان الرجل كما يظهر من كتبه ذكيا سليم الطوية وفيه غفلة يسيرة أو شديدى جعلته أحيانا يقف كالحائر فاغرا فاه من عظمة ما رأى في بلاد الفرنسيس فلما عاد إلى مصر ألف وترجم فكان مما ألف كتاب سماه أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل سنة 1285 هجرية / 1868 م فعقد فصلا ذكر فيه فضل العربية ووجوب إحيائها ولكنه ضمنه دعوة إلى استعمال العامية فقال نعم إن اللغة المتداولة في بلدة من البلاد المسماة باللغة الدارجة التي يقع بها التفاهم في المعاملات السائرة لا مانع أن يكون لها قواعد قريبة المأخذ تضبطها وأصول على حسب الإمكان تربطها ليتعارفها أهل الإقليم حيث نفعها بالنسبة إليهم عميم وتصنف فيها كتب المنافع العمومية والمصالح البلدية.
ولكني لا أكاد أشك أن هذا الرأي الذي وقع فيه رفاعة الطهطاوي لم يكن رأيا استحدثه هو بل جاءه أيام كان مقيما مع البعثة بفرنسا غره به داهية من دهاة القوم عرف ما يكن رفاعةن لبلاده من حب التقدم فلم يزل به حتى أراه الباطل حقا وإلا كيف غاب عن رفاعة أنه كان أولى به أن يدعو إلى تعميم التعليم في كل بلدة من البلاد كما كان ذلك في البلاد الغريبة التي أعجبته حضارتها واستخرجت دهشته فهل رأى هو في فرنسا أن أهل كل إقليم أو قرية يعلمون أبناءهم اللغة الدارجة ويكتبون بها كتب المنافع العمومية والمصالح البلدية هذا عجب بيد أن هذه الدعوة من رجل عربي مسلم لم تلق سمعيا ولا مجيبا وذهبت أدراج الرياح.