ينجيها من التهمة وينقذ قراءها الذين استقرت في قلوبهم الثقة بأمانتها وصدقها من أن تكون مرتعا قريبا سهلا ومنبرا عالي الصوت شديد الدوى لهذا الداعية وأشياعه حيث يتخذها وسيلة لبلوغ أهدافه وأهداف من يحركه من حيث لا تدري ومع كل ذلك سوف يأتي في غضون هذه المقالات بيان شاف عن كل الأخطارالتي تهدد ميان هذه الأمم فعسى أن تجد فيها صحيفة الأهرام مقنعا ترضى عنه إن لم تكن قد وجدت فيما سلف ما يوجب عليها أن تبرأ مما تجب البراءة منه.
أما الآن وقد قضيت نحبي من البيان عن نفسي ومنهجي فإني عائد إلى ما كنت فيه من تاريخ قضية الدعوة إلى العامية واستبدالها بالفصحى وإلى موضع هذا الدعي من تاريخها وإلى ما يحيط اليوم بهذه القضية وإلى الآثار الشنيعة المترتبة عليها وأحب مرة أخرى وما أكثر ما أحب أن يكون القارئ متنبها غاية التنبه لأني لا أكتب هذا التاريخ المتشعب المتداخل للتسلي بالألفاظ أمضغها (كما يتسلى الفارغون على المقاهي بالحديث وقزقزة اللب) بل أكتبه باذلا أقصى الجهد ليفتح كلا امرئ عينيه على أكبر الجرائم التي ارتكبت والتي لا تزال ترتكب بأخب الوسائل وأخفاها وأفتكها في غمرة الحديث عن النهضة والتطور وعن الأدب والفن وفي فترة من أشد الفترات خطرا على مستقبل الحياة في الأمم العربية من حيث هي أمة واحدة ثم على مستقبل سائر الأمم الإسلامية من حيث هي الصديق الطبيعي للعالم العربي ومن حيث هي الدرع التي تلقت ضربات المعأول الأولى بيد الاستعمار الغربي ولا تزال تتلقاها ومن حيث هي الذخيرة الباقية صداقتها وعونها لنا غدا برغم كل ما أدت إليها دسائس الاستعمار وصنائعه وعملائه في بلادنا وبلادهم.
وإذا كنت قد عرضت في مقالتي السالفة أولية قضية اللغة العامية والدعوة إلى استبدالها بالفصحى منذ عهد سبيتا الألماني سنة 1880 م إلى القاضي "ولمور" الإنجليزي ومحرر المقتطف في سنة 1901 فإني في الحقيقة قد انتزعت هذا الجزء انتزاعا من حركة كتكاملة قديمة العهد متشعبة العوامل متداخلة الآثار فعلت ذلك لأني رأيتني لو بدأت عرض الصورة من جميع نواحيها وأبعادها