كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

فى مقالة أو مقالتين فكأني أريغ اختصار قصة كاملة تستغرق آلاف الصفحات في بضع عشرة صفحة من مجلة الرسالة وهذا أمر لا يكاد يتم لأحد إلا بإخلال شديد في سياق القصة ولكن كان لابد مما ليس منه بد وسأحأول الآن محاولة أخرى مخوفة يتهددها الإيجاز بالغموض ولكني سأحأول مرغما حتى يتسنى لي أن أربط هذه القضية بأصولها القديمة باذلا في البيان غاية الجهد إبراء لذمتي في إتمام الصورة وتنبيها لكل غافل عن الخطر المقبل وهو خاطر ساحق يسحق تاريخه ومصيره فإذا قصرت فذلك المعهود من العجز وإذا شارفت حد الإبانة فبتوفيق الله وحده وتسديده وإن كنت لا أدري على التحقيق من أين أبدأ أمن التاريخ البعيد أم من التاريخ القريب؟
وفى هذه الحيرة أراه حسنا من الحسن أن أطوي التاريخ الطويل في كلمات موجزة دالة على مساربه وأسوق بعض الإيضاح في خلال ذلك حتى تتصل الأجزاء وتلتقي عند عهد محمد عليّ في سنة 1826 م وما بعدها وأسأل القارئ أن لا يمل فإن من الملل من كواذب الأخلاق كما قال عمرو بن العاص رضي الله عنه ففى عصر النهضة الأوروبية الأخيرة كان هناك عالمان كبيران العالم الأوروبي المسيحي والعالم العربي الإسلامي كان الأول قد ساور أول الشياب حين انطوى دهرا على نفسه يدرس ما حمل إليه الحاملون من تراث العرب والمسلمين في العالم والأدب وذلك بعد ارتداده إلى دياره منذ آخر حرب صليبية وبعد ظهور الدولة العثمانية المسلمة التي غزت أرضه ودياره وتوغلت فيها حتى تركت أصداء الكبير والتهليل تصدع الجبال في قلب القارة الأوروبية وكان الآخر قد أغفى إغفاءة في أعقاب دورة هائلة من دورات الحضارة بعد أن سارت كتائبه قرونا طوالا تطوف بحضارة الإسلام من الشمال البعيد إلى الجنوب القصى ومن الشرق النازح إلى الغرب الشاسع.
وفى هذه الفترة كان الأول متحفزا لا يهدأ وكان الآخر مستهينا مستنيما لا يبالي كان الأول طموحا نزاعا إلى الآفاق البعيدة وكان الآخر قانعا آمنا في ظل

الصفحة 148