وكان أخفى طريق عرفه المبشرون وأقرته سياسة الدول الأوروبية الغازية جميعا هو طريق التعليم لأن حاجة الناس إلى العلم لا تنقطع وبخاصة في زمن اليقظة بعد الغفوة هذه واحدة والأخرى أن التعليم يضمن تنشئة أجيال قد صبغوا على أيدي معليمهم بالصبغة التي يريدها الدهاة من أساتذتهم وهو أخطر عامل في توجيه أفكار الصغار إلى الجهة التي يريدها المعلم فينشأ الطفل ويكبر حتى يصير رجلا فلا يحس في نفسه أنه قد طبعا جديدا يراد به استبقاء سيطرة الغازي عليه وعلى بلاده وتدمير أمته بمسخه هو وأقرانه إلى عبيد يذللون الطريق لأقدام السادة الطغاة من حيث لا يدري أنه عبد مسخر
وإليك فقرأت دالة من كلام رجل من رؤوس المبشرين تغني عن الإكثار هو المسيو شانليه يقول في سنة 1911
إن ارساليات التبشير الدينية التي لديها أموال وفيرة وتدار أعمالها بتدبير وحكمة تأتي بالنفع الكثير في البلاد الإسلامية من حيث أنها تثبت الأفكار الأوروبية ثم يقول ولا شك في أن إرساليات التبشير من بروتستانتية وكاثوليكية تعجز عن أن تزحزح العقيدة الإسلامية من نفوس معتقديها ولا يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوروبية فبنشرها اللغات الإنجليزية والألمانية والهولندية والفرنسية يتحكك الإسلام بصحف أوروبا وتتمهد السبل لتقدم إسلامي مادي تأمل هذا جيدا وتقضي إرساليات التبشير لبانتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التي لم تحفظ كيانها إلا بعزلتها وانفرادها تأمل هذا كلام دارس خبير ينبغي أن تقرأه لفظا لفظا لأنه تخطيط شامل في ألفاظ قليلة ثم قال أيضا ما يعين على كشف الأهداف والأغراض ببيان شاف إذ يقول:
إنه مهما اختلفت الآراء في نتائج أعمال المبشرين من حيث خطتهم في الهدم فإن نزع الاعتقادات الإسلامية ملازم للجهود التي تبذل في سبيل التربية النصرانية والتقسيم السياسي الذي طرأ على الإسلام تأمل سيمهد السبل لأعمال المدنية الأوروبية إذ من المحقق أن الإسلام يضمحل من الوجهة السياسية