كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

فهذا وما بينته في مقالتي السالفة يدل على شدة عداوة المبشرين ومدارسهم وتعليمهم للغة العرب وهذا أمر ظاهر مفهوم وقد ذكرت في الكلمة السالفة مقالة وليك جيفورد بلجراف": (1) "متى توازن القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سشبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه" = ومفهوم أيضا أن الحضارة التي يعينها حضرة الفاضل هي المسيحية ذاتها = ومفهوم أيضا أن القرآن لا يتوارى حتى تتوارى لغته وزاد القسيس زويمر هذا الأمر وضوحا وبين أن اللغة العربية هي الرباط الوثيق الذي يجمع ملايين المسلمين على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وذلك حيث يقول في سنة 1906 أو قبلها إنه لم يسبق وجود عقيدة مبنية على التوحيد أعظم من عقيدة الدين الإسلامي الذي اقتحم قارتي آسيا وأفريقية الواسعتين وبث في مئتي مليون من البشر وهذا تعداد أقل من الحقيقة يومئذ بكثير كما تعلم عقائده وشرائعه وتقاليده وأحكم عروة ارتباطهم باللغة العربية.
فليس مفهوما بعد الذي بينته من طبيعة التبشير بغاية الإيجاز وما دللت عليه من أعماله في التعليم ومن غايته أن يكون بمعزل عن قضية هدم اللغة العربية الفحصى التي هي لغة القرآن وعن جعل اللغات الأوروبية مقدمة عند المثقفين على لغة الأدباء والأجداد ولكن أن غزا نابليون مصر في سنة 1798 لم يكن للمبشرين أثر يذكر في التأثير على أبناء البلاد العربية لفلما تولى محمد على أمر مصر وزينت له نفسه ان يستقل بها وأغراه طموحه أن يجعلها تناصي دار الخلافة في تركيا انثال عليه قناصل الدول ليشدو أزره وليحطموا بمعأول جيشه صرح الخلافة العثمانية فعاونوه على إنشاء المدارس واستقدم لها المعلمين وأرسل البعثات إلى أوروبا منذ سنة 1826.
وكان أول الرأي لمن شهد هذه النهضة المفاجئة الجديدة أن تترجم كتب
__________
(1) انظر ص 129.

الصفحة 153