كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

وفى هذه الفترة ما بين 1863 إلى 2882 ظهرت بوادر تأسيس الجمعيات الكبرى للتبشير في مصر وسورية وغيرها من البلدان الإسلامية وكان ظاهرا أن هذه الفورة متعلقة بالتكوين السياسي الذي يراد بقلب العالم الإسلامي ولذلك نشط التبشير في أماكن متفرقة من العالم الإسلامي وكان الهدف الأكبر هو مصر والشام = وزاد عدد الرجال المبشرين وأكثرهم ليسوا من القسوس كما يعلم ذلك كل متتبع لحركات التبشير والظاهر أن هذه الحملة الصليبية الجديدة كانت قد هيئت لها خطط جديدة أوجبها طول الاحتكاك داخل هذه البلاد بأهلها وسكانها وطوائفهاغ وتجديد الفهم لحقيقتها وما هو كائن فيها فلست أجده عجيبا إذن أن يتفق في عام واحد تقريبا سنة 1880 وسنة 1881 ظهور كتاب سبيتا الداعي إلى استبدال العامية بالفصحى وظهور مقالة المقتطف الداعية إلى مثل ذلك وأن تكون حجمهما واحدة في صعوبة الفصحى وفي بعد لغة الحديث عنها كبعد الأيطالية من اللاتينية وأن يتشابه المكر في الموضعين بقياس فاسد متخالف الأجزاء لست أجد هذا اتفاقا عجيبا من ألماني أعجمي اللسان مقيم في دار الكتب المصرية وعربي اللسان مقيم في بيروت حيث أكبر مؤسسة تبشيرية أنشئت سنة 1865 بأموال الإنجليز والأمريكيين وتخرج هو على أساطين التبشير فيها وهي الكبية السورية الإنجيلية المعروفة اليوم باسم الجامعة الأمريكية وهذا دليل ظاهر من حال الرجلين وفي كلام كل منهما دليل ظاهر وباطن أنه حقن ويقين أنهما إنما تلقيا إشارة البدء في الشام ومصر من جماعات التبشير أو مؤتمراتهم الأخيرة وأن هذا الذي كتبا من الرأي المتواطئ في معانيه ودلالاته وتشبيهاته يدل على أن الأمر بتفاصيله كان مبيتا مدروسا قد طال الإعداد له وكثر تساؤل المتشاعرين به متى يحي حينه كما دل على ذلك أيضا كلام محرر المقتطف سنة 1881 وهو مقيم في بيروت وسنة 1901 وهو مقيم في مصر ودل ما كان من أمرهما على أنه لم يكن يراد إثارة هذه الفتنة بمرة واحدة علانية في كل مكان خوفا من أن تنشأ قوة تقضي على الأمر كله في مهده بل كان يراد أن تكون في أضيق الحدود

الصفحة 155