فمجئ هذه الدعوة في مصر وفي الشام على هاتين الصورتين المتباينتين في الظاهر لم يكن يراد إلا إحداث صدع في النهضة وبث بلبلة واستحياء فتنة إلا تكن جهرا في كل مكان فخمسا في مكان دون مكان لا لليوم الحاضر بل لغد سوف يأتي فلا يكون همس وعسى أن يوجد في مصر من أنفس المسلمين من توافق هذه المقالة هواه فيتولى هو إذاعتها بين الناس ويكون ذلك أحسن تحقيق لوصية القس زويمر لمن خرجهم من المبشرين إذا قال لهم تبشير المسلمين يجب أن يكون بلسان رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أبنائها وبين أن ما ذكره لويس عوض في تجربته في شأن العامةي أيضا والتي نقلتها آنفا من "بلوتولند" إذ قال إنه سكت مؤثرا أن يتولى الدفاع عن رأيه مسلم لا مجال للطعن في نزاهته = إنما هو قول متوارث لقنه إياه بعض من تولى تدريبه في الخلوة المشهودة بين أشجار الدردار عند الشلال بكامبردج أو كما قال.
وعلى الحالين جميعا فظاهر من السياق ارتباط أول داعيتين إلى استبدال العامية بالفصحى ارتباطا وثيقا بوسائل التبشير وتوجيهاته وأغراضه وأعماله ومراميه وليس من جاء بعد هذين وهو فولرس الألماني 1890 وافنجليزيان ويلككس 1893 وولمور 1901 بأوهن منهما رباطا بالتبشير بل لعل العكس هو الصحي لأنهم فضلا عن تظاهر الأدلة على توثيق ارتباطهم به فإنهم إنما جاءوا أيضا في زمن الاحتلال الإنجليزي الذي كان التبشير مقدمة له أولا ثم محققا بعد لسياسته وناشر لمكائده وساعيا في تثبيت قواعده وذلك بأعظم وسيلة يملكها التبشير وهي التعليم كما أسلفنا من صفته.
وإذا شئت أن تعلم مقدار تكافل التبشير والسياسة وتعاونهما على إذلال الأمم والرجال وتحقيرهم وإيذائهم بأصفق ما يتسنى لإنسان من الوقاحة وغلظ الوجه وجلافة التركيب الأخلاقي وبذاءة النفس الملوثة في داخلها بالحقد والاحتراق فانظر كيف جاء التبشير تحت راية الاحتلال الإنجليزي ليعقد مؤتمرا في القاهرة