فشطر المادة يتطلب قبل كل شيء جمعها من مظانها على وجه الاستيعاب المتيسر ثم تصنيف هذا المجموع ثم تمحيص مفرداته تمحيصا دقيقا وذلك بتحليل أجزائها بدقة متناهية وبمهارة وحذر حتى يتيسر للدارس أن يرى ما هو زيف جليا واضحا وما هو صحيح مستبينا ظاهرا بلا عفلة وبلا هوى وبلا تسرع أما شطر التطبيق فيقتضى إعادة تركيب المادة بعد نفي زيفها وتمحيص جيدها باستيعاب أيضا لكل احتمال للخطأ أو الهوى أو التسرع ثم على الدارس أن يتحرى لكل حقيقة من الحقائق موضعا هو حق موضعها لأن أخفى إساءة في وضع إحدى الحقائق في غير موضعها حليق أن يشوه عمود الصورة تشويها بالغ القبح والشناعة.
وهذا شيء واضح فيما أظن كا كان أغناني عن ترداده على مسمع أستاذ جامعي ولكن يبقى شيء هو مفروض ابتداء لا يصلح شيء مما قلته إلا به بيد أن الناس قد يخدعون عنه أو يتجاهلونه لهوى غالب على النفس ألا وهو الدارس الذي يعالج المنهح بشطريه فالدراس ينبغي أن يكون قد ملك الأسباب التي تجعله أهلا لمعاناة المنهج وهذا شيء يحسن ضرب المثل عليه لتوضيحه.
فإذا اتخذنا شيخ المعرة مثلا موضحا، فدارسه ينبغي أن يكون مطيقا لقراءة نصوصه جميعا من نثر وشعر لا من حيث هما لفظان مبهان غامضان نثر أو شعر بل من حيث تضمنهما ألفاظا دالة على المعاني وألفاظا قد اختزنت على مر الدهور في استعمالها وتطورها قدرا كبيرا من نبض اللغة ونمائها الأدبي والفكري والعقلي إلى كثير من الدلالات التي يعرفها الدارسون = من حيث هي ألفاظ قد حملت من سمات مميزة من ضمير قائلها بالضرورة الملزمة لأنه إنسان مبين عن نفسه في هذه اللغة بما يسمى نثر وواضح جدا بعد ذلك لمن يحسن أن يتأمل بعض التأمل أن هذا كله يقتضي أن يكون الدارس قد رحل رحلة طويلة في آداب اللغة السابقة لعهد شيخ المعرة فدراس فيها الماضين من شعراء هذه اللغة وكاتبها مدارسه متقنة جادة غير هازلة مشحوذة بالذكاء والتنبه مصقولة بحسن التمييز والتدبر، ليكون في مأمن من اختلاط شيء منها بشيء