كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

صاحب رسالة الغفران ولأنها أثر من إثاره ولا أستطيع أن أكتم إعجابي بقدرته على كبحه جماح نفسه خمسة أسابيع من أسابيع الكتابة مخفيا مادة دراسته فلا يكاد يعرضها لأعيننا إلا في ختام خامستهن ويلقيها إلينا بلمحة خاكفة توحي بأن هذه المادة الملقاة قد فرغ من تمحيصها على يده أو على يد غيره حتى صارت إحدى المسلمات التي لا تمكلك البداهة إلا الإذعان لها كما يقول القائل رجل ورجل رجلان بلا فرق بينهما فانظر إذن كيف ساقها ولم أسقط من كلامه شيئا غير طرح التاريخ الميلادي المعوق:
"وهذا هو الجو السياسي المعقد الذي عاش فيه المعري حتى اعتكف في معرة النعمان حول (1401) ومنذ أن اعتكف فيها حتى مات عام (449 هـ) فحلب وهي على بعد أميال قليلة من المعرة يتبادلها أولا الحمدانيون تظاهرهم عسكر الروم والفاطميون ثم يتبادلها ثانيا المرادسيون تظاهرهم عسكر الروم والفاطميون ولم تكن أنطاكية أحسن حالا فقد ظلت مئة وعشرين سنة كاملة في يد الروم من سنة 353 إلى 477 هـ ودل وهي لهم ومات وهي لهم وتعلم بها وهو صبي وهي لهم فقد كان يختلف إلى مكتبتها مع أسامة بن منقذ فيما روت كتب القدماء وكانت فيه يومئذ حضارة زاهرة حسب ما روى ياقوت الحموي".
"وقد كان حكم اللاذقية حكم أنطاكية كانت في يد الروم زمن المعري وقد تعلم المعري في اللاذقية كما تعلم في أنطاكية ففيما روى القفطي والذهبي أنه نزل بدير فيها ولقي بهذا الدير راهبا قد درس الفلسفة وعلوم الأوائل بلغة طه حسين أو باختصار أخذ عنه اليونانيات فما علوم الأوائل هذه التي كانت تقرأ في الأديرة تحت حكم الروم إلا آداب اليونان وفلسفتهم في لغتها الأصيلة والحق أنه لا يعرف شيء عن تعليمه الرسمي حتى سن العشرين وهي سن التكوين إلا أنه تعلم في حلب ثم في أنطاكيه ثم في اللاذقية ثم في طرابلس ومثل هذا الغموض الذي أحاط بتكوينه العقلي حتى سن العشرين يحيط أيضا بحياته كلها فيما بين العشرين والخامسة والثلاثين حين نجده يقيم في المعرة خمس عشرة سنة بين (383 هـ) و (398 هـ) وبها عاش تحت الحمدانية والفاطمية والمرداسية والروم".

الصفحة 22