وهذا بالطبع تنفُّخٌ غثٌّ يؤذي كل دارس لا سيما إذا عرفت أن ذكر أسامة بن منقذ لم يرد إلا في كتاب واحد هو كتاب الصبح المنبي وهو كتاب مطبوع للشيخ يوسف البديعي المتوفي سنة 1073 من الهجرة، والبديعيّ نفسه يذكر القصة في كتاب له آخر وهو مطبوع اسمه أوج التحري فيقول نقل عن ابن منقذ بإسقاط أسامة والبديعي متأخر جدا وهو وإن لم يصرح قد نقل ذلك عن ابن العديم (588 - 660 هـ) وهو من أعيان حلب في كتابه "الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجرِّي عن أبي العلاء المعري" وهو كتاب مطبوع أيضا وفيه الخبر مسندا إلى صاحبه الأول .... حدثني والدي رضي الله عنه وأرضاه يرفعه إلى ابن منقذ قال كان أنطاكية ... وساق الخبر بطوله فلما فرغ منه قال وهذه الحكاية فيها من الوهم ما لا يخفي وذلك أنه قال كان بأنطاكية خزانة كتب إلى آخر ما ذكره وهذا شيء لا يصح فإن أنطاكية أخذها الروم من أيدي المسلمين في ذي الحجة سنة ثمان وخمسيت وثلاثمئة وولد أبو العلاء بعد ذلك بأربع سنين وثلاثة أشهر في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وستين وثلاثمئة وبقيت أنطاكية في أيدي الروم إلى أن فتحها سليمان بن قطلمش في سنة سبع وسبعين وأربعمئة وكان أبو العلاء قد مات قبل ذلك في سنة تسغة وأربعين وأربعمئة وأخلاها الروم من المسلمين حين استولوا عليها فلا يتصور أن يكون بها خزائن كتب وخازن وتقصد للاشتغال بالعلم ويحتمل عندي أن يكون هذا بكفرطاب فقد كانت كفرطاب مشحونة بأهل العلم وكان بها من يقرأ الأدب ويشتغل به قبل أن يهجمها افرنج وهجمها افرنج في سنة اثنتين وتسعين وأربعمئة وكان لأبي المتوج مقلد ابن نصر بن منقذ في أيام أبي العلاء فلعله تصحف كفر طاب بأنطاكية وتصجيفها غير مستبعد فإن كان كذلك فاين منقذ الحاكي لهذه الحكاية هو أبو المتوج مقلد بن نصر بن منقذ أو أبوه نصر وكفرطاب قريبة من معرة النعمان ثم ذكر احتمالا آخر أن يكون ذلك بحلب واستدل عليه.
وقد أطلت بنقل هذا لترى أي منهج كان يسير عليه علماؤنا في نقد الأخبار منذ أكثر من سبعة قرون ونصف على عهد ابن العديم = أقول لو عرفت هذا فأنت بالخيار في وصف عمل الدكتور لويس عوض وقوله أن تصفه بأن تنفخ غث أو بأنه علم مستحدث!!