كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

83) فصلا طويلا في ترجمة أبي العلاء وأكثر أخباره فيها مسندة إلى قائل أو رأو إلا هذا الخبر الذي أسوقه بنصه:
"ولما كبر أبو العلاء ووصل إلى سن الطلب أخذ العربية عن قوم من بلده كبني كوثر ومن يجري مجراهم من أصحاب ابن خالوية وطبقته وقيد اللغة عن أصحاب ابن خالويه أيضا وطمحت نفسيه إلى الاستكثار من ذلك فرحل إلى طرابلس الشام وكانت بها خزائن كتب قد وقفها ذوو اليسار من أهلها فاجتاز باللاذقية ونزل دير الفاروس وكان به راهب يشدو شيئا من علوم الأوائل فسمع منه أبو العلاء كلاما من أوائل أقوال الفلاسفة حصل له به شكوك لم يكن عنده ما يدفعها به فعلق بخاطره ما حصل به بعض الانحلال وضاق عطنه عن كتمان ما تحمله من ذلك حتى فاه به في أول عمره وأودعه أشعارا له ثم ارعوي ورجع واستغفر واعتذر ووجه الأقوال وجوها احتملها التأويل".
فهذا خبر يحمل في خلاله تكذيبه وسياقه مضطرب مناقض للواقع كما سأبين ذلك فيما بعد وقد انفرد به القفطي وهو مصري وبين مولده ووفاة أبي العلاء مئة وعشرون سنة ولم يذكره أحد من معاصري شيخ المعرة مع تحاملهم عليه وذكرهم إلحاده ولا أحد ممن جاء بعدهم إلى وفاة القفطي سنة 646 هـ.
ويأتي مع القفطي المصري ياقوت الحموي معاصرا 574 - 626 هـ وهو مؤرخ متمكن شديد التحري وهو شامي حموي قريب من ديار شيخ المعرة (1)، خبير بأخبار أهل الشام فيعقد في كتابه إرشاد الأريب ترجمة لأبي العلاء مطولة جدا 1: 162 - 216 فلا يذكر هذا الخبر مع درايته التامة بأحوال أهل الشام ومع ما كتبه من أخبار كثيرة في إلحاد أبي العلاء ويتمادى الزمن بالمؤرخين لشيخ المعرة وهم من كبار المشتغلين بالتاريخ من ابن الأثثير المتوفي سنة 630 هـ إلى سبط ابن الجوزي إلى ابن خلكان إلى أبي الفداء المتوفي 732 هـ فيذكرونه بالسوء حتى رماه بعضهم بالكفر ثم لا يذكر أحد منهم هذه الحكاية.
__________
(1) انظر التعليق على وصف ياقون بأنه "شامي" في حاشية أثبتها في آخر المقالة الثانية.

الصفحة 28