كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

حتى إذا جاء الذهبي وهو من كبار مؤرخي الإسلام فيذكر ترجمة أبي العلاء في كتابه تاريخ الإسلام ويسوقها بهذا اللفظ:
"أخذ العربية عن أهل بلده كبني كوثر وأصحاب ابن خالويه ثم رحل إلى طرابلس وكانت بها خزائن كتب موقوفة فاجتاز باللاذقية ونزل دير بها كان به راهب له علم بأقاويل الفلاسفة وسمع أبو العلاء كلامه فحصل له به شكوك ولم يكن عنده ما يدفع به ذلك فحصل له بعض انحلال وأودع ذلك بعض شعره ومنهم من يقول ارعوي وتاب واستغفر".
وواضح جدا أن الذهبي إنما نقل عن القفطي الذي انفرد إلى سنة 646 هـ برواية هذا الخبر ولكنه اختصره وغير بعض ألفاظه ومهم للدراس الجامعي بل لكل ذي عقل لم تتلفه رعونة أو إدمان أن ينظر فيما فعله الذهبي فإن القفطي يقول وكان به راهب يشدو شيئا من علوم الأوائل فسمع منه أبو العلاء كلاما من أوائل أقوال الفلاسفة وفي هذا بيان واضح على أنه راهب مبتدي قليل البضاعة قد تخطف كلمات من أوائل أي من مبادئ أقوال الفلاسفة فجاء الذهبي فقال في صفة هذا الراهب كان به راهب له علم بأقاويل الفلاسفة فرفع باختصاره شأن اهذا الراهب المبتدي الشادي بما يوهم أن له علما بأقاويل الفلاسفة وهذا عمل غير مرضي وإساءة من الذهبي.
وخبر القفطي مبين أشد الإبانة عن أن أبا العلاء كان يومئذ في سن الطلب وأنه حصل له بع شكوك لم يكن عنده ما يدفعها فعلق بخاطره ما حصل له به بعض الإنحلال وضاق عطنه عن كتمان ما تحمله من ذلك حتى فاه به في أول عمره وأودعه أشعار له فحذف الذهبي ذكر السن وأنه فاه به في أول عمره فأوهم أن ذلك كان في وقت متأخر وهذه إساءة أخرى من جراء الاختصار سيظهر أثرها فيما بعد.
ثم يأتي ابن الوردي وهو مؤرخ معاصر للذهبي ومن معرة النعمان نفسها فلا

الصفحة 29