- 20 -
من أشد الغفلة أن نعيش هذه الأيام المظلمة بأعين مفتوحة وقلوب مغلقة. فالقلب إذا اغلقت الأبواب على بصيرته، فلم يعد له نور ينبث وينفذ إلى أعماق الحوادث العظام التي تحيط به من كل جانب كانت العين بعد ذلك أداة مجردة من الاحساس مكفوفه عن النفاذ واللمح لا تكاد تدرك مما ترى وتبصر سوى الظواهر الخداعه وعندئذ يصبح الزمان حطاما من الساعات والأيام وركاما من الشهور والاعوام وتصبح الاشياء كلها صفا واحدا ونمطا متشابها قد خلا من الروابط وعرى من الاسباب واذا بلغ الامر بنا هذا المبلغ فقد يكون من اكبر الجهل ان يسمى هذا غفله انما هو ضرب من الموت يصيب الحى وينقله إلى لحد مظلم لا تراه العيون وهو بعد مقيم على ظهر الأرض يسعى أو يتحرك أو يتكلم.
من هذا الذى طمس الله على بصيرته فعاش هذه الأيام وهو لا يرى الدنيا من حوله بحرا رجافا يموج باحداث متلاطمه تضرب شواطئ بلاد العرب وبلاد المسلمين بامثال الجبال من لججه ومن هذا الاعمى المكفوف عن رؤيه النار المتضرمه وهى تحتدم ومن حولها شرار الكهنه ينفخون في كير لا يهدأ والكير منفاخ الحداد ليؤرثوا شعاليلها حتى تتوهج ومن هذا الثرثار الذى احاط به الحريق والغرق وهو لا يجد ما يقوله الا ما يتقاذفه لسانه من ألفاظ مسلوبه العقل تائهه في بيداء الخبل وهو يظن انه مبين عن نفسه احسن الابانه من هؤلاء وباى عيون وقلوب يعقلون أو يبصرون! (1).
إذا كان هؤلاء قد صاروا، فما قدَّ الله من قَدَره، هم الذين يتولون اليوم قيادة
__________
(1) كتبت هذا كله، كما أشرت إليه ص 347، تعليق: 1، في يونيو 1965، وكان الإعداد للنكبة على قدم وساق حتى وقع ما وقع في 5 يونية 1967.