أنه لا يتلقى الأخبار بالتسليم المجرد بل ينقدها ويمحصها ثم يقدر مع ذلك أي تحامل يكنه ويبديه على شيخ المعرة ومن عنى نفسه أي أتعبها في قراءة ترجمة ياقوت لشيخ المعرة واجد وجدانا ظاهرا أن الرجل شديد الوطأه على الشيخ مؤثر للوقيعة فيه وفي دينه يجمع الشوارد والأقاصى من أخبار الطعن فيه وهو في ذلك شديد الضرورة في عداوته لا يقف عند استثقال الرجل واستنكار تفاصحه وتشدقه بل يعلق على الأخبار والشعر بألفاظ مستشنعة حتى يقول في بعض تعليقه كأن المعرى حمار لا يفقه شيئا ثم يزيد ما شئت.
فاذ قد عرفنا شره ياقوت إلى مجرد العلم ثم ضراوته بأخبار شيخ المعرة ثم ضراوته بأخبار شيخ المعرة ثم قرمه إلى لحم الشيخ ينهشه والقرم شدة شهوة اللحم فأن يسمع ياقوت من القفطى أو غيره خبر راهب دير الفاروس الذى ضلله عن دينه ثم يغفله فلا يذكره فذلك عجب وأن يريد باغفاله دفع المعرة عن شيخ المعرة فذلك فوق العجب وأن يسمعه من القفطى فيسأله عن مخرجه فيجده قمامة تقممها من سقاط الناس وأراذلهم فيطرحه لخبث مخرجه ثم يأنف أن يعيد ذكره في كتابه وينقده كما نقد ابن الهبارية اجلالا لصاحبه القاضى الأكرم القفطى فذلك جائز قريب ويكون معنى ذلك أن ياقوتا فوجئ بخبر لم يسمعه من قبل مع طول مقامه بالشأم في ديار شيخ المعرة وهو نقاب متدسس والنقاب العالم بالأشياء الكثير البحث عنها والتنقيب عليها فسمعه من رجل غريب لم يطل بالشأم مقامه وسمعه الغريب من مغمور تالف فاستطرفه فحازه وظن أنه وقف على شاردة من الشوارد ثم حدث به شاميا عريقا هو أشد منه جمعا وتنقيبا ليغايره بهذه العجيبة النفيسة النادرة كما تفعل الضرائر المغايرة استثارة الضرة غيرة ضرتها وهذا أمر مألوف في بعض أهل العالم وفي كل زمان ومكان فاكراما للقفطى أغفل ياقوت الخبر ولم يذكره واستنكف أن يذكره فينقده فيسوء صاحبه ويكشف عن عواره وخرج بالصمت عن لا ونعم هذا تفسير ما غمض!
فلم يبق اذن من تساؤل المتسائل الا أن يكون ياقوت حين ذكر كتاب انباه الرواة لم يطلع عليه بل سمع من القفطى أنه ألف كتابا في أخبار النحويين