كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

أظن ولكن ربما جرف الهوى في تياره هذه البدائة فيزداد المنكر عليك انكارا فربما غلا في انكاره وربما خفض بعض انكاره تبعا لما عنده من القدرة على الانصاف والعدل ومن النظر وحسن التهدى إلى طبائع الاشياء ولكنه يبقى على كل حال مغاليا في الانكار سواء ساق انكاره في صورة عتاب أو صورة دم ووقيعة.
ولما كان تحليل الصورة واعادة تكوين معارفها ومعالمها متعلقا بشخص حى ساع في الأرض فمن المعقول الذى ينبغى للناقد ان يعرفه ان الناقد ان يعرفه ان المنكر عليه إذا أراد ان يصوغ انكاره في عبارة مؤدية عما في نفسه فهو خليق ان يزعم ان هذا التحليل والتكوين ليس موضوعيا بل هو شخصى محض وذلك انكار لا مفر منه أيضًا ولا سيما إذا كان الامر شديد الظهور وكان ناقضا لكل ما عند المنكر من اعتقاد في الكاتب الذى يحلله ويعيد تكوين صورته ولكن ينبغى ان لا يفزع الناقد من هذ اللفظ الا إذا كان دافعه إلى النقد امرا شخصيا يقوم بينه وبين من ينتقده لأنه عندئذ خليق ان يرتكب في نقده ما ينبغى ان يخلو منه وهو ترك الانصاف وتحكيم عاطفة البغض أو الحب في تفسير كلام الكاتب ومع ذلك فالناقد نفسه معرض لمثل ما فعله هو بالكاتب وصورته وظهور تحيره قريب لان الاحتكام إلى كلام الكاتب خليق ان يكشف عن مقدار تحامله عليه إذا اتبع المرء نفس طريق التحليل واعادة التكوين فهذا هو الظابط الذى يفصل بين الناقد الذى يتناول صورة ويعالجها معالجة موضوعية والناقد الذى يتناول صورة ويعالجها معالجة شخصية.
وأخوف ما يخاف في وصف هذا العمل الموضوعى بانه شخصى انما يأتى من الامور التي تتعلق بشخص الكاتب من حيث هو كاتب تدل كتابته على شخصية كاملة فالكاتب ربما كان سئ الهدف وكان مع ذلك عاقلا شديدا العقل وربما كان مضطرب العقل مسترخى القوى مع خلوة من سوء الهدف فليس لسوء هدفه يوصف الكاتب بما لا تدل عليه عباراته مع استحكام العقل والنظر ولا لحسن هدفه يوصف الكاتب بانه ركين عاقل وكذلك امره فيما أصاب

الصفحة 390