كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

أو يستبين أو لا يكاد يستقيم أو يستبين لى أنا على الأقل. ولكنى أذكر أن أكبر صراع كان قائما يومئذ بين أهل هذا الدين أعنى الإسلام، كان يستخدم لفظا اشتقته الكتاب، أو أوتوا على النسبة إلى "السلف"، فكانت طائفة كبيرة تسمى نفسها "السلفيون"، وهو لفظ يراد به رجوع أصحابه إلى سيرة "السلف" من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم على الحق في العقيدة، وفي تجريد الإيمان من شوائب الشرك، وفي العمل بالسنة، وفي إحياء منهج "السلف" في الرجوع إلى الكتاب والسنة دون سواهما. وكان للسلفيين ظهور وغلبة في فترة من الفترات، وكان أكثرهم من أهل الحمية والجد والثبات والإخلاص في القول والعمل، إن شابهم من ينتسب إليهم، ويدعى دعواهم، ولكنه لا يقوم مقامهم، ولا يلتزم التزامهم، بل ربما خالفهم، وأقام على البدع وسوغها وجعلها من سنة السلف.
***
وعاصر هذا الصراع صراع آخر بين الحضارة الغازية، وهى الحضارة الأوروبية المسيحية الوثنية، وبين بقايا الحضارة الإسلامية العربية المتمثلة في السلفيين، وأهل البدع، وأهل الأهواء من كل لون ونحلة. وكان هذا الصراع قائما في الميادين كلها. في الميادين الاجتماعية، والفكرية، والثقافية، والدينية، والسياسية جميعا. وكان محرك هذا الصراع، هو الغازى المحتل بمدارسه وفرائضه التي فرضها علينا في مجتمعنا برمته أعنى أنه كان يستخدم وسائله السياسية الظاهرة، وهى هيئة "الاستعمار"، ووسائله الخفية، وهى "التبشير" بالمعنى الذى شرحته مرات، ودللت على أنه ليس أمرا دينيا، بل كانت وسائله الثقافية والسياسية هي الغالبة عليه , لأنهم وجدوا أن "الثقافة" التي ينتسبون إليها، نابعة من الكنيسة في جميع أطوارها، وممثلة للدين المسيحى، وللوثنية التي تسربت في خلاله على طول القرون. فالإلحاح على نشرها نشرا منظما عميقا، نشر لخلاصة المسيحية الأوروبية الوثنية , بلا تحدٍّ كتحدّى الدعوة إلى "الدين" صراحة وبلا مواربة. وهذه الخطة نفسها، هي من نتاج النظام الكنسي الذى عاشته الحضارة الأوروبية في جميع أطوارها السالفة. وإذا كنت تنسى، كما ينسى الأستاذ "عودة" فأذكرك بقول "إليوت"

الصفحة 401