كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

الذى أشرت إليه آنفا في تفسير "الثقافة"، وزعمه أن ثقافة الشعب، ودين الشعب، مظهران مختلفان لشئ واحد، وأنهما تجسيد لهذا الدين، وأن من الممكن أن تجتذب قوما إلى إيمان ديني بعينه، بوساطة نشر الثقافة التي تجسد هذا الدين. وهذا هو "التبشير الثقافي"، في تخطئه ولا تنسه ولا تغفله.
وكان هذا الصراع من أخطر ألوان الصراع التي عشناها، ولا نزال نعيشها، والذى من أجله نكتب ما نكتب إلى يوم الناس هذا. وجاء خطره من أشياء كثيرة لا أستطيع أن أعددها في مثل هذه الكلمة، ولكن أخطر هذه الأشياء: أن جمهرة كبيرة من "المثقفين"، أي الذين ارتضعوا شيئا قل أو كثر من لبان "الثقافة الأوروبية المسيحية الوثنية"، كانوا من جلدة هذا الشعب مسلمة ونصرانية. فمن هذه الجلدة التي تربطهم بالناس، كان لهم من الإقدام على التكلم والإبانة والدعوة، ما ليس يملك مثله من جاء من "جلدة" أخرى، كالجلدة الأوروبية المسيحية الوثنية، ولهم من التأثير على أهل جلدتهم ولسانهم، ما ليس يملكه من لم يكن من أهل جلدتنا ولساننا.
فنشأ من بين هذا الصراع بين الحضارة الغازية وبقايا الحضارة الإسلامية العربية التي ذكرتها، جيل دخل في الصراع الدينى، "بين السلفيين"، ومن ناوأهم من أهل البدع والأهواء، ولكنه تكلم في الشئون التي هي عند المسلمين "دين"،بلسان آخر غير لسان أهل هذا الدين من سلفيين ومبتدعة، وأدرك الذين كانوا يقودون حركة الصراع بين الحضارتين، أن أقوى الفريقين المتصارعين من سلفيين ومبتدعة، هو فريق "السلفيين" لا من حيث كثرتهم وغلبتهم، بل من حيث القوة التي تشتمل عليها دعوتهم، لأنها تؤدى إلى إعادة بناء لغة الأمة، إذ لا معنى للانتساب إلى طريقة "السلف"، إلا بأن يتملك "السلفى" ناصية اللغة وآدابها تملكا يمكنه من الاستمداد المباشر من "القرآن" والسنة، على نفس النهج الذى كان "السلف" يستمدون به من القرآن والسنة في آدابهم, وأخلاقهم ,. وثقافتهم، وفقههم، وعلمهم، وتفكيرهم، وفي سائر ما يكون به الإنسان حيا رشيدا قادرا على بناء الحضارة = ولأنها تؤدى أيضًا إلى اتخاذ سمت نابع من القرآن

الصفحة 402